في تقرير استقصائي نشرته صحيفة واشنطن بوست، كشف النقاب عن خطة إسرائيلية تهدف إلى إشراك شركات أمنية أمريكية خاصة في توزيع المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة، في وقت تشتد فيه التحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة، وانتقادات واسعة من منظمات دولية ترى في الخطة مخالفة صريحة للمبادئ الإنسانية والقانون الدولي.
اقرأ أيضًا:
- فوضى غزة.. عصابات مسلحة تسرق المساعدات تحت حماية الاحتلال
- الكشف عن آلية جديدة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة
تفاصيل الخطة المثيرة للجدل
نقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين ومصادر في منظمات الإغاثة أن هذه الخطة التي يتوقع الإعلان عنها رسميًا الأحد، تستهدف السماح بدخول نحو 60 شاحنة يوميًا إلى جنوب غزة محمّلة بالمساعدات الأساسية، وهي كمية تعادل عشر حجم المساعدات التي دخلت خلال فترة وقف إطلاق النار الذي استمر ستة أسابيع وانتهى في مارس الماضي.
وسيتم تفتيش هذه الشاحنات عند معبر كرم أبو سالم، ثم تتوجه إلى مراكز توزيع داخل القطاع تحت حماية شركات الأمن الأمريكية، والتي ستتولى أيضًا تأمين المراكز من الداخل والخارج، دون أن يكون لها صلاحية الاعتقال.
وتوكل عملية التوزيع المباشر إلى عمال إغاثة من منظمات غير حكومية، على أن تبدأ التجربة في ستة مراكز جنوب القطاع، يخدم كل منها بين 5,000 إلى 6,000 أسرة، ومن المقرر أن يتلقى المستفيدون طرودًا غذائية ومواد نظافة توزع أسبوعيًا أو كل أسبوعين، بوزن يبلغ 44 رطلاً لكل طرد، مع استخدام تقنيات التعرف على الوجه للتحقق من هوية المستفيدين.
رفض أممي وتحذيرات حقوقية
لاقت الخطة رفضًا صريحًا من الأمم المتحدة وأكثر من عشرين منظمة إغاثة دولية، وأعربت عشرات الدول عن مخاوف قانونية حيال تنفيذها، وأشارت منظمات إنسانية إلى أن هذه الإجراءات تشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ الحياد والنزاهة والاستقلال التي تعد من ركائز العمل الإنساني، وقد تفتح الباب أمام مساءلة جنائية بتهم تتعلق بجرائم الحرب، كما حذرت الأمم المتحدة ودول ثالثة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أبرز المنتقدين للخطة، مؤكدًا أن آليات الترخيص والسيطرة المقترحة من قبل السلطات الإسرائيلية تهدد بمزيد من القيود القاسية على إيصال المساعدات، حتى آخر سعرة حرارية في وجبة دقيق، مشددًا على أن الأمم المتحدة لن تشارك في أي ترتيب لا يحترم المبادئ الإنسانية الأساسية.
مخاوف أمنية ولوجستية
بالإضافة إلى التحفظات القانونية والإنسانية، أبدى عدد من عمال الإغاثة الدوليين تحفظات قوية على الجانب اللوجستي للخطة، وأشاروا إلى أن إلزام المدنيين بالتنقل لمسافات طويلة لحمل مساعدات ثقيلة سيؤدي إلى مشقة بالغة، وقد يعرضهم للخطر في ظل القصف المستمر والملاحقة الإسرائيلية.
وقال جوزيف بيليفو، المدير التنفيذي لمنظمة “ميدغلوبال”، إن مجرد الخضوع لفحص بيومتري قد يثير الخوف لدى معظم الفلسطينيين في ظل الاعتقالات التعسفية وحالات إطلاق النار العشوائية.
الجانب الإسرائيلي والدور الأمريكي
بحسب التقرير، فإن الخطة الإسرائيلية أُعدت عبر مقترح "خذها أو اتركها" قدم لممثلي الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة في تل أبيب في محاولة أخيرة لإقناعهم بالانضمام، ومع رفض الخطة دوليًا، لجأت إسرائيل إلى التعاقد مع شركتي "سيف ريتش سوليوشينز" و"يو جي سوليوشينز" الأمريكيتين، اللتين سبق أن شاركتا في تنظيم نقاط عبور المركبات خلال وقف إطلاق النار.
وتتولى شركة "SRS"، التي يديرها فيل رايلي، ضابط استخبارات سابق في الـCIA، مسؤولية التخطيط والخدمات اللوجستية، فيما تتكفل شركة "UG Solutions" بقيادة جيمسون غوفوني، وهو عنصر سابق في القوات الخاصة الأمريكية، بتنفيذ العمليات الميدانية.
وتؤكد الصحيفة أن هذه الخطوة تأتي وسط ضغوط أمريكية خاصة من الرئيس دونالد ترامب، الذي عبر عن انزعاجه من استمرار الحرب في غزة، التي باتت تعرقل أهدافه الاستراتيجية في المنطقة، وأوضح ترامب أنه تحدث شخصيًا إلى نتنياهو من أجل السماح بدخول المساعدات، فيما يشير التقرير إلى أن الدعم الأمريكي كان أساسيًا في استمرار الحرب حتى الآن.
ادعاءات إسرائيلية حول استغلال المساعدات
يدعي مسؤولون عسكريون وسياسيون إسرائيليون أن حركة "حماس" قامت باختلاس المساعدات الإنسانية وتحويلها لأغراض عسكرية، في حين لم تقدم إسرائيل أي دليل على ذلك، وتنفي منظمات الإغاثة الدولية هذا الادعاء، مؤكدة أن الرقابة على المساعدات كافية، وأن تحميل المدنيين مسؤولية أعمال "حماس" يمثل انتهاكًا للمبادئ الإنسانية.
كما أعرب مسؤولون أمميون وحقوقيون عن خشيتهم من أن يخلق هذا النظام الجديد حالة من التمييز في توزيع المساعدات، قد تؤدي إلى اضطرابات جديدة داخل القطاع، وتقول منظمات الإغاثة إن حصر التوزيع في مواقع محددة في الجنوب قد يؤدي إلى موجة نزوح جماعية جديدة، ويزيد من الاحتقان وسط سكان القطاع المحاصر.
رؤية عسكرية إسرائيلية
في سياق متصل، أشار ميخائيل ميليشتاين، المسؤول السابق عن الملف الفلسطيني في الجيش الإسرائيلي، إلى أن بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية اليمينية يرون أن خطة توزيع المساعدات تمهيد لاحتلال كامل للقطاع وإقامة إدارة عسكرية، فيما أبلغ قائد أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، الحكومة أن الجيش غير مستعد لتحمل هذه المسؤولية، مما دفع نحو الاستعانة بشركات أمنية خارجية.
أثار تصريح لعضو الكنيست موشيه سعادة، من حزب الليكود، جدلاً واسعًا حين قال صراحة: "نعم، سأقوم بتجويع سكان غزة، نعم، هذا هو التزامنا"، ما يكشف عن توجه متشدد داخل الحكومة الإسرائيلية يتناقض تمامًا مع المبادئ الإنسانية والقانون الدولي.