في خيمة بيضاء تحاصرها رائحة الأدوية وأصوات الأجهزة الطبية، ترقد مسك صيام، الطفلة التي لم تتجاوز أعوامها الخمسة، لكنها عاشت ما يفوق عمرها من ألم وخسارة. مسك، الناجية الوحيدة من مجزرة أودت بحياة 18 فردًا من عائلتها دفعةً واحدة، تُعدّ اليوم رمزًا صغيرًا لحجم المأساة التي يعيشها سكان قطاع غزة، وأيقونة أمل لكل من بقي على قيد الحياة.
مسك فقدت والدها ووالدتها، أختها وأخاها، جدّيها، وأعمامها وعمّاتها. لم يتبق من عائلتها أحد. انتُشلت من تحت الركام بجروح وكسور ورضوض شديدة، وخضعت لعملية جراحية دقيقة في الفكَّين، إلا أن قلبها الصغير، كما يقول الأطباء، لا يزال يقاوم ويمنح من حوله الأمل.
بين الألم والرعاية
في مستشفى الهلال الأحمر الميداني – أحد آخر المراكز الطبية العاملة في قلب الكارثة – تتلقى مسك رعاية طبية وإنسانية متكاملة. يقول أحد الأطباء المشرفين على حالتها: "مسك ليست مجرد حالة طبية، بل قصة نجاة تتطلب احتواءً نفسيًا بالتزامن مع العلاج الجسدي. نتابعها كأنها طفلتنا جميعًا."
رغم قلة الإمكانيات ونقص الأدوية والمعدات، فإن فرق المستشفى تعمل بلا توقف، على مدار الساعة، لتوفير العلاج والدعم لمئات الجرحى والناجين، وغالبًا ما تكون قصصهم أشبه بصفحات دامية من كتاب مأساة مفتوح.
الهلال الأحمر: جبهة إنسانية صامدة
يُعد مستشفى الهلال الأحمر الميداني واحدًا من النماذج النادرة في الصمود الطبي وسط الحصار والنزوح والدمار. منذ الأيام الأولى للكارثة، بادر طاقمه بفتح أبوابه لاستقبال الجرحى، دون تمييز وبشكل مجاني تماماً، المستشفى لا يقدّم فقط الإسعافات والجراحات، بل يوفير دعم نفسي للأطفال والحالات الموجودة هناك، مثل مسك، الذين يعانون من صدمات لا تُرى بالعين المجردة.
تقول إحدى الممرضات: "عندما تمسك مسك بيدي، أشعر أن كل التعب يزول. هذه الطفلة بحاجة لمن يعيد لها الإحساس بالأمان، ونحن هنا لنكون عائلتها الجديدة."
الطفولة التي لم تبدأ بعد
تحمل عينا مسك حزنًا لا يليق بالأطفال. لا تتحدث كثيرًا، لكنها ترسم، وتعبّر عن عالمها المكسور بلونٍ أسود يطغى على كل شيء. في إحدى رسوماتها، ظهرت يد صغيرة تمسك بيد كبيرة وسط خراب، كتبت عليها اسم "مسك".
ما تزال مسك بحاجة إلى رعاية طبية ونفسية طويلة الأمد، كما تحتاج إلى بيئة آمنة تعيد لها الحد الأدنى من الشعور بالحياة. لكنها، رغم كل شيء، تعلّم من يلتقون بها أن الأمل لا يموت، وأن بين كل الأنقاض، وردة صغيرة قد تنبت وتزهر من جديد.