أهداف غير معلنة: محاولة اغتيال محمد السنوار تكشف مأزق تل أبيب الاستراتيجي وتؤجج الشكوك الداخلية

اغتيال محمد السنوار
اغتيال محمد السنوار

تتصاعد في الأوساط الأمنية والسياسية داخل إسرائيل حالة من الشك والقلق إزاء جدوى استخدام "الضغط العسكري" وعمليات الاغتيال كوسيلة لتحقيق الأهداف في غزة، وذلك في أعقاب الهجوم الجوي المكثف الذي شناه تل أبيب على محيط المستشفى الأوروبي بمدينة خان يونس.

والهجوم الذي استخدمت فيه إسرائيل سبع قنابل ضخمة زنة كل منها طن، كان يستهدف قائد حركة "حماس" في القطاع، محمد السنوار، الذي تولى هذا الدور القيادي بعد استشهاد شقيقه يحيى السنوار منذ نحو سبعة أشهر.

اقرأ أيضًا:

من هو محمد السنوار

محمد السنوار ليس مجرد قائد عسكري، بل يعد من أبرز العقول الاستراتيجية داخل "حماس"، وكان أحد المهندسين الرئيسيين لعملية "الوهم المتبدد" في يونيو 2006، التي أسفرت عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ما مهّد لاحقًا لإنجاز صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011. 

ورغم أن جيش الاحتلال زعم أنه تأكد من عدم وجود رهائن إسرائيليين في محيط المستشفى المستهدف، فإن العملية أسفرت عن مجازر مروعة بحق المدنيين، حيث سقط العشرات بين قتيل وجريح، في تكرار مأساوي لنهج الضربات الجوية المدمرة التي سبق أن أُنفذت في محاولات اغتيال سابقة.

أهداف خفية ونيات مضمرة

بررت القيادة الإسرائيلية الهجوم الأخير بأنه يهدف إلى منع "حماس" من استخدام المستشفيات كمقرات عسكرية، وإزالة عقبة رئيسية تعترض طريق تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، وهذا ما رددته وسائل الإعلام العبرية في تغطيتها المكثفة للهجوم، وتحديدًا في تحليل الصحفي آفي سخاروف بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، حيث وصف السنوار بأنه "أخطر شخصية في غزة"، مدعيًا أن اختفاءه قد يلين موقف "حماس" ويمهد الطريق أمام الصفقة.

لكن هذا السرد يتجاهل تمامًا ما تردده جهات سياسية وإعلامية إسرائيلية معارضة، وهي أن العقبة الأساسية أمام إتمام الصفقة وإنهاء الحرب تتمثل في مواقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزرائه المتطرفين مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، الذين يرفضون أي تسوية سياسية أو تبادل أسرى، ويجاهرون علنًا بعرقلة كل المساعي الدولية لتحقيق ذلك.

مسرحية القنبلة

وبينما كانت الأنظار تتجه إلى العاصمة القطرية الدوحة مع إعلان إسرائيل إرسال وفد محدود الصلاحيات لاستئناف المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى، جاءت محاولة اغتيال السنوار لتفجر الأوضاع من جديد، ما فسره مراقبون بأنه محاولة متعمدة لإرباك جهود الوساطة الأميركية والقطرية، إذ أن نجاح هذه المحاولة، إن تحقق، من شأنه أن يعيد ترتيب الأوراق داخل "حماس" ويؤخر أي تقدم محتمل في مسار المفاوضات.

حتى الرسوم الكاريكاتيرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" لم تخلو من التلميح لحقيقة الدوافع خلف الغارة، حيث ظهر اثنان من الإسرائيليين يشاهدان صور القصف في خان يونس على شاشة التلفاز، وتحتها عنوان "الهدف: السنوار"، ليقول أحدهما: "انتهت الأفكار، فصاروا يجترّون الروايات والقصص"، في إشارة ساخرة إلى عبثية التكرار الدموي لسياسات الاغتيال الفاشلة.

تحليل الواقع

وفي السياق ذاته، يرى المحلل العسكري البارز عاموس هارئيل، في صحيفة "هآرتس"، أن مصير الحرب في غزة لن يتحدد بموت أو بقاء السنوار، بل سيتوقف على مدى قدرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال زيارته الجارية، على فرض موقفه على نتنياهو، ويرى هارئيل أن العامل الحاسم الآن لم يعد عسكرياً، بل سياسياً بامتياز.

أما وزير الأمن الداخلي الأسبق عومر بار ليف، فقد عبر عن موقف أكثر صراحة، مؤكدًا في مقاله بـ"هآرتس" أن تجربة الحروب السابقة مع "حماس" في غزة، وكذلك مع "حزب الله" في لبنان، تثبت أن الحسم العسكري مستحيل. 

وذكر بار ليف كيف أن "حماس" لم تستسلم حتى بعد محاولة اغتيال محمد الضيف عام 2014، والتي أدت إلى مقتل زوجته وأولاده، مؤكدًا أن الحكومة الحالية تروّج لما سماه "الكذبة الأكبر"، وهي أن الضغط العسكري يعيد المحتجزين.

وأضاف: "على مدار 584 يومًا من العمليات والقصف، لم نقترب قيد أنملة من استعادة المختطفين، فمنذ اليوم الأول كان واضحًا أن "حماس" لن تسلمهم إلا في إطار صفقة شاملة تنهي الحرب. الضربة التي تلقيناها في السابع من أكتوبر لن تُمحى، وآن الأوان للتوقف عن الأوهام والتعامل مع الواقع بجدية: إنهاء الحرب، والخروج من غزة، وإبرام صفقة شاملة لإعادة جميع الأسرى".

تحذيرات العسكر

وحذر الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك، الذي اشتهر بتوقعه للهجوم المفاجئ في السابع من أكتوبر، مجددًا في مقال له بـ"هآرتس" من كارثة وشيكة، واعتبر بريك أن توسيع العمليات العسكرية في غزة لن يحقق الانتصار، بل سيقود إلى نتائج كارثية، من بينها مقتل رهائن إسرائيليين في الأنفاق، وسقوط عدد كبير من الجنود، وتآكل صورة الردع الإسرائيلي أمام خصومها الإقليميين، مثل إيران و"حزب الله" و"أنصار الله" في اليمن.

وقال بريك: "لن نهزم حماس، جيشنا في وضعه الحالي غير قادر على الحسم، العالم بدأ يدرك أن قوة الجيش الإسرائيلي باتت أسطورة من الماضي، سنخرج من الحرب مهزومين، تمامًا كما خرج الأميركيون من فيتنام وأفغانستان، وسنجد أنفسنا أمام جبهة متوترة على كل الحدود، حيث سيرفع أعداؤنا رؤوسهم".

صحيفة القدس العربي