كشفت مصادر أمنية رفيعة في الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات عن حالة من الإرباك العميق داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، مشيرة إلى إدراك متزايد لدى القيادة بأن توسيع الحرب على قطاع غزة لن يؤدي إلى تحرير الأسرى الإسرائيليين، بل قد يقود إلى كلفة باهظة ميدانيًا وسياسيًا، خاصة إذا اتجهت الأمور نحو فرض حكم عسكري دائم على القطاع.
ووفقًا لما أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، فإن قادة الجيش وأجهزة الاستخبارات باتوا أكثر قناعة بأن التصعيد العسكري وحده لا يمكن أن يحقق الهدف المعلن الثاني لإسرائيل في هذه الحرب، وهو "هزيمة حماس".
اقرأ أيضًا:
- فيديو لحظة اغتياله.. جيش الاحتلال يغتال الصحفي حسن اصليح
- وسط مخاوف من تصعيد قادم.. جيش الاحتلال يتلقى تعليمات بوقف إطلاق النار بدءًا من هذا الموعد
وأوضحت المصادر أن هذا العجز الواضح بات محل تساؤل داخلي، حيث أصبح البعض في قيادة الجيش يشكك في جدوى الاستمرار في العمليات الحالية أو التوسع فيها.
حالة من الضياع
وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش الإسرائيلي يعيش في ما وصفته بـ"المصيدة"، إذ يتعرض لضغوط من ثلاث جهات متناقضة: من جهة، هناك الجمهور الإسرائيلي الذي لم يعد يفهم بوضوح الهدف من استئناف العمليات العسكرية، ويشعر بالحيرة بشأن اتجاه الحرب وخطتها، ومن الجهة الثانية، عائلات الأسرى الذين يبدون قلقًا متزايدًا من أن التصعيد يعرض حياة أبنائهم للخطر بدل أن يقربهم من تحريرهم، أما الجهة الثالثة فهي المستوى السياسي، وعلى رأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع، اللذان منحا الجيش صلاحيات شبه مطلقة لاستكمال الخطة العسكرية، في ما تعتبره الصحيفة "تفويضًا مفتوحًا الغرض منه تحميل الجيش المسؤولية لاحقًا إذا انهار كل شيء".
أهداف متناقضة
أوضحت يديعوت أحرونوت أن الحكومة السياسية أضافت إلى الخطط العسكرية أهدافًا جديدة لا تتماشى مع جوهر الحرب ولا مع المعايير القانونية الدولية، ما يضع ضباط الجيش أمام تحديات قانونية وأخلاقية كبيرة.
وتابعت الصحيفة بأن هذا التناقض بين الأهداف السياسية والعسكرية يولد ما وصفته بـ"مخاطر شديدة للغاية" قد تنعكس على أداء القيادة العسكرية وعلى صورتها الداخلية والخارجية.
وبحسب الصحيفة، فإن الجيش الإسرائيلي، بقيادته الحالية، يشعر أنه عالق بين خيارين أحلاهما مر، فمنذ عام ونصف وهو يخوض حربًا مفتوحة على قطاع غزة دون أن يتمكن من هزيمة حركة حماس أو حتى تحقيق نصر سياسي أو عسكري ملموس.
ودفعت هذه الأزمة، وفق الصحيفة، الجيش إلى الدخول في ما تسميه "احتلالًا زاحفًا"، أي تقدم ميداني تدريجي دون هدف نهائي واضح، فقط لأن التراجع بات يبدو كـ"استسلام" أمام أعين الضباط والجنود.
لا مجال للتراجع
ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية رفيعة أن الجيش لا يستطيع الانسحاب حاليًا، لأن ذلك سيفهم كفشل ذريع وتخلي عن الأهداف التي تم إعلانها، وفي الوقت نفسه، البقاء في المواقع نفسها يضع الجنود في مواجهة مستمرة مع ما وصف بـ"أعشاش الإرهاب"، ما يعني استمرار سقوط قتلى وخسائر بشرية، وهو ما لا يمكن تحمله على المدى الطويل، لذا، يبقى الخيار الوحيد المتاح في الوقت الراهن هو "الزحف إلى الأمام" وهو ما وصفته الصحيفة بالخيار القسري لا الاستراتيجي.
وحذرت تقديرات هيئة الأركان، المبنية على تحليلات أجهزة الاستخبارات وسلاح الجو ولواء التخطيط، من أن استمرار هذا النهج سيقود في النهاية إلى احتلال كامل لقطاع غزة، ومع ذلك، فإن العديد من كبار الضباط لا يرون أن هذا السيناريو يخدم أمن إسرائيل، بل على العكس، قد يعرضها لمخاطر استراتيجية على المدى البعيد.
ووفقًا للتحليلات العسكرية، فإن السيطرة الكاملة على غزة ستشبه السيناريو الطويل الأمد في الضفة الغربية، حيث يتطلب ذلك بقاء القوات الإسرائيلية لسنوات عديدة، بسبب كثافة الأنفاق والتحصينات الأرضية في القطاع، وستحتاج العملية إلى انتشار كثيف، وخطوط إمداد لوجستية طويلة، بالإضافة إلى استبدال دائم للقوات وسط حالة من الإرهاق الشديد لدى جنود الاحتياط.
الخيارات تضيق
واعتبر أحد كبار المسؤولين الأمنيين أن السيناريو الأكثر تفاؤلاً لا يقود إلا إلى نقطة البداية، حيث ستضطر الحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار مصيري بين خيارين أحلاهما مر: إما الدخول في احتلال شامل للقطاع، بما يحمله من أعباء وتكاليف ضخمة، أو القبول بمفاوضات مباشرة مع حركة حماس للتوصل إلى اتفاق يضمن إعادة الأسرى أحياء.
واختتمت الصحيفة تقريرها بنقل تحذير من مسؤول بارز في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، أكد فيه أن الجيش أوضح بشكل صريح للقيادة السياسية أن الخيار العسكري لن يفضي إلى استعادة الأسرى، قائلاً: "إذا كانت الحكومة تريد استعادة المخطوفين أحياء، فلا بديل عن مفاوضات مباشرة مع حماس".