"كدمات" تغطي وجه "النزوح" بغزة.. عنفٌ زوجي والمبرر جاهز: "ضغط الحرب"!

عنفٌ زوجي والمبرر جاهز: "ضغط الحرب"!
عنفٌ زوجي والمبرر جاهز: "ضغط الحرب"!

غزة/ البوابة 24- حلا أبو عيشة:

أمام باب خيمتها بمواصي خانيونس، جنوبي قطاع غزة، تجلس (س.ع) وحيدةً تحدّق في وجوه المارة. تغطي وجهها بطرف شالها لتخفي الكدمات الزرقاء والحمراء التي تحيط بفمها وأنفها، وتمسح دمعةً خذلت صمتها وانهمرت من عينيها فجأة.

تحكي السيدة بحرقةٍ كيف قلبت الحرب وما رافقها من نزوحٍ ومعيشةٍ في الخيام حياتها رأسًا على عقب، عندما اضطرت هي وأطفالها الأربعة للخروج من منزلهم المكون من 3 غرف، ليحشروا جميعًا في خيمة، فُصلت حديثًا عن خيمة عائلة الزوج الممتدة.

تقول لـ"البوابة 24": "عانيت الأمرين في ظل المعيشة المشتركة. كانت سلفاتي الثلاث وحماتي معي في نفس الخيمة برفقة الأطفال، بينما الرجال ينامون منفصلين في شق آخر. هذا كله كان يهون أمام شكوى حماتي لزوجي مني طوال الوقت".

كان الزوج -ويعمل موظفًا حكوميًا- يراجع زوجته "كلما تنفست" وفق تعبيرها. تخبرنا: "كنتُ أُفاجأ بأسئلته: لماذا لم تساعدي فلانة في غسل الصحون؟ لماذا لم تكنسي الخيمة عن أمي اليوم؟ لماذا تركتِ زوجة شقيقي تشعل النار وهي حامل في شهرها السابع؟ كل هذا في وقتٍ كانت الدنيا كأنها فوق رأسي: رعاية أطفالي في المخيم، والمحافظة على نظافتهم، ومحاولة متابعة دروسهم، لا سيما أصغرهم الذي لم يحظ بفرصة التأسيس بسبب الحرب".

في يومٍ حدثت مشكلة كبيرة بين (س.ع) وحماتها مردّها إلى الأطفال، حينما ضربت الجدة حفيدها بقوة أمام أولاد أعمامه، فجاءت أمه لترد له كرامته وسحبته من بين يديها. هنا وعلى صوت الاثنتين جاء الزوج على عجل، وبدأ بضرب زوجته دون أن يعرف أي تفاصيل.

تضيف: "لقد حقنوه ضدي أصلًا. جاء مثل الغول وبدأ بضربي وصفعي وركلي أمام سلفاتي وحماتي اللواتي لم يحركن ساكنًا، لولا أن أشقاءه جاءوا وأخذوه عني".

تتحدث السيدة عن سيلٍ من الشتائم سكبها على مسامعها، أصابت أمها ووالدها وشخصها، قبل أن يتركها وسط جمعٍ من الناس تجمهروا أمام باب الخيمة، وفي ظل صرخات أطفالها المدمرين نفسيًا من أصوات القصف ومن معيشة الضنك داخل الخيمة.

وتضيف: "أقسمت ألا أنام في نفس الخيمة ولا ليلة. وبعد إقناعه من قبل جارةٍ طيبة، صنع لي خيمة من بعض أكياس الطحين الفارغة والملاءات المهترئة"، مردفةً: "ها أنا أعيش منبوذةً من العائلة، بينما هو لم يكلف نفسه أن يعتذر لي حتى!".

تتساءل السيدة: "لو مر العمر بطوله، لن أنسى ما فعله بي. كيف أنسى نظرات حماتي الشامتة، وانتصاره لسلفاتي في وقتٍ أنا في أمس الحاجة فيه إلى الشعور بالأمان؟ كيف أنسى الفضيحة أمام الجيران؟ وكيف أنسى أنني رضيت أن أُضرب وأُهان على الملأ لأن لا خيار آخر أثأر فيه لكرامتي في ظل الحرب المستمرة".

"ألسنا نعيش نفس الظروف؟"

واشتكت سيدات من عنفٍ زوجي جسدي ولفظي، طالهن خلال عامٍ ونصف من الحرب، زاد على أوجاع الحرب وجع "الخذلان" كما وصفت عدد منهن. وبرغم أن كثيرات يضعن "الضغط النفسي والاقتصادي وظروف المعيشة والنزوح والخوف من الحرب والمعيشة المشتركة، والمجاعة، واحتياجات العائلة الكثيرة، والغلاء" مبررات تقدم للزوج الذريعة لتكرار ضرب زوجته "كنوع من التفريغ"، إلا أن هناك من تتساءل: "ألسنا نعيش الظروف نفسها؟".

تجيب (ي.أ): "بل وأكثر، نحن نشعل النار ونختنق بدخان الحطب، ونمسح دموع أطفالنا حينما يطلبون الطعام ولا يجدونه، ونحاول خلق شيء من لا شيء! ألسنا من كُسرت ظهورنا بالغسيل اليدوي، ومن حمل الماء، وكنس رمال الخيمة، والسهر لقتل البعوض وردع الكلاب الضالة؟ ألسنا من وقفنا في طوابير الخبز والتكايا؟ ومن فقدنا أنوثتنا تحت ضغوط الحياة؟".

السيدة التي تبلغ من العمر (32 عامًا)، هي أمٌ لطفلين (10 و7 سنوات)، كانا شاهدين على ضرب والدهما لها منذ أن وعيا على الدنيا. "لكنه في الحرب صار وحشًا" تستدرك.

تقول: "لا أنسى أول مرة ضربني بها، يومها استجرت بأبي فأعادني إلى بيته بيده، وأخبرني أن هذا عادي، وأن كل الرجال عندما يغضبون يضربون زوجاتهم، وأن الطلاق في عرف عائلتنا من سابع المستحيلات".

منذ ذلك الحين، تتلقى الشابة الصفعات "بصمت"، ولما جاءت الحرب، تفاقم وضع زوجها النفسي، وصار أكثر قسوة. خسر عمله، والبيت، وبات غير قادر على تلبية احتياجات الأسرة، فصار يقابل أي طلب لأي احتياج بالسباب والشتائم، والضرب أيضًا.

تضيف: "يضربني، ويضرب الأطفال. لا يطيقان وجوده، ويخشيان محادثته. مرةً ضربني، ولما خرج، قال طفلي الأكبر هامسًا: لو أنه يموت لارتحنا جميعًا، لكنني نهرته. لا أريده أن يتشرب العقوق، وفي الوقت ذاته أنا حقًا أتمنى أن تخلصني الحرب منه. لقد تعبت معه كثيرًا".

زيادة كبيرة

وفي الوضع الطبيعي، كانت الأعراف، والعادات والتقاليد، ومخاتير العائلات، الحكم الرئيس في قضايا العنف الزوجي، حتى لو تسبب بأذى جسدي واضح للزوجة، حيث كان من النادر أن تشتكي زوجة على زوجها في مراكز الشرطة.

اليوم -يقول المحامي أحمد المصري: "حتى الأعراف والمخاتير لم يعد لهم دور للحكم في مثل هذه القضايا تحت الحرب"، مشيرًا إلى ارتفاع حالات العنف الزوجي لا سيما في مخيمات النزوح، وزيادة كبيرة في حالات الطلاق تبعًا لذلك.

ونبه المصري إلى أن الكثيرات من النساء، يفضلن السكوت على الذي يتعرضن له "من أجل الأطفال"، بوضع مبررات للزوج، تتعلق بالحرب وظروفها الصعبة.

وتعرف المادة الأولى من الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الصادر عن الجمعية العامة رقم 48/104، العنف ضد المرأة بأنه: أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.

وأشار المصري إلى أن القانون الفلسطيني، يمنع تمامًا ضرب الزوجة، "وفي حال تقدّمت الزوجة بشكوى رسمية إلى الشرطة أو النيابة العامة المختصة، فإن تلك الشكوى تؤدي إلى توقيف الزوج وحبسه، حيث يمنع القانون الجزائي الضرب بكافة أنواعه كونه يشكل اعتداءً مقصودًا"، مستدركًا: "في ظل تعطل المحاكم، يصعب على أي امرأة تقديم شكوى، وفي الأصل قبل الحرب، كان قلما تقدم امرأة شكوى بضرب زوجها لها حتى لو تسبب لها بعاهة، لسطوة العادات والتقاليد ورفض المجتمع للفكرة برمتها".

خلل في فهم العلاقة

وتقول الأخصائية النفسية ليلى علي إن "النساء اللاتي يتعرضن للعنف يعانين من مشاعر الذنب والوحدة والخوف والعجز وانعدام الأمن والتوتر والقلق"، مشيرة إلى إمكانية إصابتهن بالعديد من الاضطرابات النفسية، كاضطراب الإجهاد الحاد واضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات القلق والاكتئاب، ما قد يفضي إلى سلوكيات إيذاء النفس أو محاولات الانتحار".

وتؤكد أن الممارسات العنيفة التي تتعرّض لها المرأة تُساهم في التقليل من شعورها بقيمتها الذاتية، وبالتالي تُضعف من ثقتها بنفسها، ممّا يؤثّر سلبًا على صحتها العقلية، ويؤدي إلى تشتيت قدرتها على التفكير السليم، وبالتالي على التصرّف بشكل مستقل وآمن"، مشيرةً إلى أن حدوث العنف أمام آخرين، له آثار أكثر تدميرًا على نفسية المرأة.

وتقول: "في واقعٍ كواقع غزة، يفترض أن يكون الزوج أمان زوجته وحصنها المنيع، في ذات الوقت، أن تكون هي كتفه الذي يستند إليه وقت التعب. لكن ما نسمعه ونراه تحت النار، يؤكد وجود خلل في الفهم للعلاقة الزوجية بالأساس، وما يفترض أن يحكمها من مودة ورحمة بين الطرفين، لا سيما في ظل ظروف الحياة القاسية".

وتشير العديد من الدراسات إلى أنّه كلّما تمّ الاعتداء على المرأة أكثر، كلما زادت معاناتها النفسية مع عدم قدرتها على التكيّف النفسي، أو الرضا عن الحياة بشكلٍ عام.

البوابة 24