أكدت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية أن إسرائيل لا تخوض فقط حربًا عسكرية في قطاع غزة، بل تعاني أيضًا من صراع داخلي عميق يهدد كيانها السياسي والاجتماعي من الداخل، معتبرة أن الأزمة الحالية تتجاوز العمليات القتالية، وتمتد إلى معركة على روح الدولة وهويتها.
وأشارت الصحيفة إلى أن الانقسامات السياسية والتصريحات المتطرفة من مختلف الأطياف، سواء من اليمين أو اليسار، تعكس هشاشة البنية الداخلية للمجتمع الإسرائيلي، وتنذر بعواقب خطيرة قد تكون مدمرة للمؤسسات والهوية الوطنية على المدى الطويل.
اقرأ أيضًا:
- مسؤول إسرائيلي يكشف بوادر تقارب بين تل أبيب وسوريا.. ماذا قدم الشرع؟
- "سلوك إسرائيل لا يحتمل".. رئيس الوزراء القطري يهاجم تل أبيب ويكشف عن فجوة كبيرة في المفاوضات
اتهامات خطيرة
أحد أبرز مؤشرات هذا الانقسام الداخلي، بحسب الصحيفة، كان تصريح الجنرال السابق يائير غولان، الذي اتهم إسرائيل بأنها تمارس قتل الأطفال كهواية، ورغم وصف الصحيفة لهذا التصريح بأنه "كاذب ومؤذي على نحو خطير"، إلا أنها أقرت بأنه يسلح أعداء إسرائيل بحجج إضافية، ويعزز من حملات معاداة السامية، ويضعف موقف إسرائيل الدولي المتداعي أصلًا.
ولم يكن غولان وحده من أثار الجدل، إذ انتقدت الصحيفة كذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، على خلفية تصريحاته لهيئة الإذاعة البريطانية، والتي اعتبر فيها أن العملية العسكرية المتواصلة في غزة تقترب من أن تكون جريمة حرب، ورغم أن أولمرت لا يشغل منصبًا رسميًا، إلا أن الصحيفة رأت أن تصريحاته تمثل تحريضًا إعلاميًا خطيرًا.
وأضافت الصحيفة أن البعض قد يبرر هذه التصريحات بأن لا صفة رسمية لأصحابها، إلا أنها رأت في ذلك مغالطة، لأن التحريض لا يتطلب منصبًا سياسيًا لكي يكون مدمّرًا، مستشهدة بتصريحات مماثلة صادرة عن شخصيات يمينية مثل موشيه فيجلين، النائب السابق بالكنيست، الذي قال علنًا إن "كل أطفال غزة أعداء"، واقترح "احتلال القطاع بالكامل دون ترك أي طفل فلسطيني فيه".
اليمين المتطرف وخطابات التحريض
وسلطت الصحيفة الضوء كذلك على تصريحات مثيرة للجدل من وزراء حاليين في حكومة بنيامين نتنياهو، أبرزهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي أعلن أن إسرائيل ستواصل تدمير كل ما تبقى من غزة، أما وزير التراث عاميخاي إلياهو، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال إنه على إسرائيل التفكير في إلقاء قنبلة نووية على القطاع، وهو ما اعتبرته الصحيفة نسفًا لسياسة الغموض النووي التي اتبعتها إسرائيل منذ أكثر من سبعة عقود.
من جانبه، أطلق عضو الكنيست تسفي سوكوت، المنتمي إلى حزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش، تصريحًا قال فيه إن "إسرائيل يمكنها قتل مئة فلسطيني يوميًا ولن يهتم أحد"، وهو ما وصفته الصحيفة بأنه يكشف عن ازدراء للحياة الإنسانية وجهل فادح بالتحولات السياسية والضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل.
صمت نتنياهو
رغم خطورة هذه التصريحات، لاحظت الصحيفة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يعلق عليها خلال مؤتمره الصحفي الأول منذ ستة أشهر، وركز هجومه فقط على يائير غولان، متجاهلًا الخطابات التحريضية التي تصدر من داخل معسكره السياسي، ورأت الصحيفة في هذا التجاهل دلالة على غياب قيادة موحدة، وانتقائية في الغضب تعكس عمق الأزمة في بنية السلطة الحالية.
وانتقدت الصحيفة كذلك غياب رؤية سياسية واضحة، قائلة إن الحكومة الحالية تفتقر إلى خطاب موحد، وفريق اتصالات رسمي فاعل، وتعيش حالة من التردد في تحديد أهداف الحرب، الأمر الذي جعل التصريحات المتناقضة هي السمة الأبرز.
ومن ضمن النقاط التي ركز عليها المؤتمر الصحفي لنتنياهو، إعلانه تبني الخطة التي اقترحها سابقًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن "إجلاء السكان المدنيين من غزة"، رغم أن ترامب نفسه لم يعد يتحدث عنها، واعتبرت الصحيفة هذا الطرح محاولة جديدة لإطالة أمد الحرب عبر تسويق أهداف غير واضحة المعالم أو الجدوى.
وبينما تحدث نتنياهو عن أن أي صفقة لا تعني نهاية الحرب بل مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار، وأكد مجددًا أن إسرائيل "ستحقق النصر"، سخرت الصحيفة من هذه الوعود المتكررة، ووصفتها بأنها مجرد "نقاط حوار" تتبدل حسب المواقف، دون وجود خطة استراتيجية فعلية.
وأشارت إلى أن الخطاب الرسمي يغير أولوياته بشكل متكرر: "يومًا يركز على تحرير الرهائن، ويومًا آخر على القضاء على حماس، ويومًا يطالب الجيش بإعادة احتلال غزة وتوزيع المساعدات، وفي اليوم التالي تمنع الحكومة دخول حتى غرام من الطحين، ثم تتراجع وتوافق على أن يتولى مقاولون أمريكيون إيصال المساعدات".
توصيف مشوه للهجوم
وأخيرًا، تناولت الصحيفة محاولة نتنياهو التقليل من حجم الهجوم الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر، حيث وصفه بأنه "هجوم عشوائي نفذته عناصر إرهابية بالشباشب والكلاشنيكوفات والشاحنات"، وهو توصيف قالت الصحيفة إنه يخالف الواقع تمامًا، إذ نفذته قوة منظمة ومدربة استخدمت طائرات مسيرة وصواريخ متطورة وخططًا دقيقة عبر عدة محاور.
ورأت الصحيفة أن هدف نتنياهو من هذا التوصيف هو التهرب من تحمل المسؤولية، لأن الاعتراف بأن الهجوم كان منظمًا يعني ضمنًا أن أجهزة الأمن والحكومة كانت غافلة أو مهملة، وهو ما لا يريد أن يواجهه.