غزة/ البوابة 24- محمد أبو دون:
منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في أكتوبر/ تشرين أول لعام 2023م، لم يتلقَ الفلسطيني محمد المصري من بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، الراتب المخصص له من مؤسسة "رعاية أهالي الشهداء والجرحى"، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ما أدخله هو وعائلته المكونة من 9 أفراد في ظروف صعبة للغاية على مدار الـ19 شهرًا الماضية.
تعرض المصري لإصابة بالغة في قدمه إبان انتفاضة الأقصى، التي اندلعت عام 2000م، ومنذ ذلك الحين اندرج اسمه ضمن الجرحى الفلسطينيين الذين يتلقون مخصصات شهرية من منظمة التحرير الفلسطينية، وصار ذلك "الراتب" هو مصدر الدخل الوحيد لعائلته، لعجزه عن العمل بأي مجال بسبب إصابته، وفق حديثه.
يقول المصري لـ "البوابة 24": "كنت قبل الحرب أحصل على راتب قيمته 3 آلاف شيكل تقريبًا، وبعد الخصومات التي تجريها السلطة بسبب الأزمة المالية كنت أحصل على ما يقارب 2200 شيكل فقط شهريًا، وهذا المبلغ حال وجوده لا يكفي لتسديد التزامات 9 أفراد في قطاع غزة".
ويتابع: "إذا كان ذلك المبلغ لا يكفينا في ظل ظروف طبيعية فكيف سيكون الحال وسط حالة الحرب الطاحنة التي نعيشها والغلاء غير الطبيعي على كافة أسعار المواد الغذائية والأساسية، واستمرار الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، وعدم توزيع مساعدات من قبل المنظمات الإغاثية".
"تجاهل المؤسسة"
وبحسب المصري، حاول هو وغيره من أبناء قطاع غزة المستفيدين من مؤسسة "أهالي الشهداء والجرحى"، التواصل مع الإدارات المختلفة في رام الله لحل قضيتهم منذ بداية الحرب الإسرائيلية، لكن للأسف لم يجدوا تجاوبًا مع الأمر، رغم الاتصالات المتكررة.
ويضيف: "الذريعة الجاهزة دائمًا هي أن ظروف الحرب لا تسمح بإدخال الأموال اللازمة من أجل تسليمنا رواتبنا كما كان الحال قبل الحرب، إضافة لعدم إمكانية إضافة تلك الرواتب في الحسابات البنكية بسبب القيود الإسرائيلية على سلطة النقد"، مشيرًا إلى "عدم تجاوب المؤسسة مع أي حلول مقترحة بهذا الخصوص حتى اليوم".
ويوضح المصري أن "المؤسسة رفضت أكثر من مرة تقديم توضيحات له هو وغيره من المستفيدين عن مصير المخصصات التي لم يتلقوها منذ 19 شهرًا، وعن كيفية حصولهم عليها وعلى طريقة الاحتفاظ بها، مبينًا أن "المؤسسة كان يمكن لها أن تعتمد على طرق الدفع الإلكتروني لتحويل المخصصات للأهالي لكن ذلك لم يتم حتى الآن".
معاناة لا تنتهي
تتشارك عائلة الشهيد الفلسطيني غسان البُدي من حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة المأساة مع عائلة المصري، وغيرها من العائلات الفلسطينية في قطاع غزة، فهي الأخرى لم تتلقَ الراتب المخصص لها منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية.
توضح الزوجة منى البُدي في حديث لـ "البوابة 24" أنهم اعتادوا طوال السنوات الماضية، ومنذ استشهاد زوجها عام 2004م على يد الاحتلال الإسرائيلي، على تلقي راتبٍ منتظم من المؤسسة.
وتقول: "كل شيء اختلف بسبب الحرب الإسرائيلية. لقد تُركت العائلة المكونة من 6 أفراد إلى اليوم بدون راتب"، مشيرةً إلى أنهم "عاشوا أوضاعًا صعبة للغاية بسبب نقص الأموال خلال نزوحهم إلى جنوبي قطاع غزة، وعيشهم في الخيام".
ووفق حديث الزوجة فإنهم "حاولوا التواصل مرارًا وتكرارًا مع المؤسسة؛ لأجل صرف رواتبهم، لكن دون جدوى، وحتى اليوم لم يتمكنوا من الحصول على أي مبلغ منها".
وتشير إلى أن "ما يطالبون به فقط هو حقهم الطبيعي الذي يفترض أن يحصلوا عليه"، قائلةً بحرقة: "المفترض أن تكون المؤسسة والسلطة الفلسطينية بكل مكوناتها داعمة لأهالي قطاع غزة في ظل ما يتعرضون له لا أن تتخلى عنهم".
أوضاع صعبة
من جهته يقول الفلسطيني إيهاب العبسي وهو مستفيد من مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى: إن "حالة الحرب التي تعيشها غزة تتطلب من السلطة الفلسطينية حل مشكلة رواتب غزة بأسرع وقت؛ لأن الناس يموتون ألف مرة هنا".
ويتابع، وهو من سكان محافظة رفح جنوبي قطاع غزة، ويعيش حاليًا في خيمة بمواصي خانيونس: "أهالي أسر الشهداء والجرحى بغزة يعيشون ظروفًا صعبة للغاية بسبب انقطاع رواتبهم وتهميشهم من قبل المؤسسة والسلطة".
ويلفت إلى أنهم "تواصلوا أكثر من مرة مع الجهات المسؤولة في رام الله دون نتيجة حتى الآن، رغم أن الأمر كان ممكنًا على الأقل في فترة وقف إطلاق النار".
وطالب العبسي "بضرورة التفات الجهات المسؤولة لقضيتهم بأسرع وقت وحلها، لا سيما مع حالة المجاعة الصعبة التي يعيشها القطاع ونقص الغذاء والسيولة وارتفاع الأسعار بشكل جنوني".
الحرب تتحكم بكل شيء
تواصلت "البوابة 24" مع أحد الموظفين الكبار في مؤسسة "رعاية أهالي الشهداء والجرحى" برام الله، وقد اشترط عدم ذكر اسمه لإجراء اللقاء، كونه "غير مخول بالتصريح للإعلام". قال: "مشكلة رواتب غزة قائمة بفعل حرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا هناك".
وأضاف: "في أول 3 شهور من الحرب تمكنا من صرف مستحقات العوائل هناك عبر الطريقة المتبعة، ولكن توقفنا بعدها حتى هذا الوقت بسبب عدم وجود طرق مناسبة للصرف، وعدم توفر السيولة المالية داخل قطاع غزة".
وفي رده على الاتهامات بحق المؤسسة، حول أنها لا تتجاوب مع اتصالات المستفيدين، أخبرنا: "هناك خطوط اتصال مفتوحة دائمًا مع المواطنين للاستفسار، وهي معلنة عبر مواقعنا الإلكترونية، لكن تحديدًا بخصوص مستحقات غزة هناك الكثير من الاستفسارات التي تصل لنا، وحقيقةً لا نملك لها إجابة؛ لأن الأمر مرتبط بأبعاد سياسية وبظروف الحرب".
وبخصوص عدم صرف الرواتب بالطرق الإلكترونية -كما طالب بعض المستفيدين بالمؤسسة- أوضح أن "النظام المالي كله في فلسطين مرتبط بالاحتلال، وأي عملية كهذه يجب أن تحصل على موافقة من الجانب الإسرائيلي، وفي ظل هذه الظروف وخنق الاحتلال للقطاع لا يمكن أبدًا الحصول على مثل هذه الموافقات رغم أن هذه الأمور طُرحت على الطاولة للدراسة من قبل مسؤولي ملف مستحقات غزة".
ويذكر الموظف أن "جهود المؤسسة لا تتوقف من أجل صرف مستحقات المستفيدين في قطاع غزة، كونهم يعلمون صعوبة الأوضاع والوضع المعيشي الكارثي للسكان هناك".
وبخصوص التهميش الذي تتهم بعض العائلات المؤسسة به يقول: "نحن لا نهمش أحدًا، لكن لا نستطيع الإجابة على الاتصالات طوال اليوم"، موضحًا أن "بعض الموظفين اشتكوا أن اتصالات تصلهم من غزة على هواتفهم الشخصية، خارج أوقات الدوام؛ للاستفسار عن الملف".