اتهامات بالتستر الاستخباراتي.. تفاصيل صادمة تكشف عن شركة توزيع المساعدات في غزة 

توزيع المساعدات الإنسانية
توزيع المساعدات الإنسانية

شهدت مدينة رفح جنوب قطاع غزة، أمس الثلاثاء، فوضى عارمة خلال عملية توزيع المساعدات التي أشرفت عليها "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، وهي منظمة مدعومة من الولايات المتحدة، وذلك في مركز جديد تم افتتاحه في المنطقة الغربية من المدينة. 

وجاء هذا التدافع الشعبي الهائل باتجاه الموقع الجديد في وقت حساس، تزامنًا مع بدء إسرائيل تنفيذ نظام جديد لتوزيع المساعدات في القطاع، عقب تخفيف نسبي للحصار الذي تفرضه منذ الثاني من مارس الماضي، والذي خلف أزمة إنسانية خانقة شملت نقصًا حادًا في الغذاء والدواء والمياه والوقود، وكل ما يتعلق بمقومات الحياة الأساسية.

انتقادات حادة 

ورغم إعلان مؤسسة غزة الإنسانية أن الأوضاع "عادت إلى طبيعتها" بعد الحادثة، إلا أن مصادر عديدة وجهت انتقادات حادة لشركة "سيف ريتش سوليوشنز" (SRS) الأميركية الخاصة، وهي الشركة الأمنية التي أوكلت إليها مهمة تنفيذ عملية توزيع المساعدات ميدانيًا. 

وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الشركة لم تكن تمتلك العدد الكافي من الموظفين أو الاستعداد اللوجستي والتقني للتعامل مع التعقيدات الميدانية على الأرض، ما فاقم من حالة الفوضى وانعدام التنظيم.

شركة أمن بمهام استخباراتية

في السياق نفسه، كشفت تقارير استقصائية إسرائيلية وأميركية عن طبيعة غامضة لشركة SRS، التي تأسست في أواخر عام 2023 وتعمل حصريًا في قطاع غزة، إذ تبين أنها تؤدي أدوارًا تتجاوز العمل الإنساني لتشمل مهامًا استخباراتية وعسكرية. 

اقرأ أيضًا:

ووفقًا لمراسلات داخلية نشرت في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تتولى الشركة تشغيل الحواجز العسكرية، وجمع وتحليل البيانات البصرية التي يتم التقاطها من خلال كاميرات المراقبة والطائرات المسيرة وحتى الأقمار الصناعية الإسرائيلية، بهدف تحديد هوية عناصر حركة حماس والمسلحين الفلسطينيين.

ورغم هذا الدور المتقدم، أشارت تقارير متعددة إلى أن SRS تفتقر للبنية التحتية الاستخباراتية الكاملة، وتعتمد بشكل أساسي على المعلومات المقدمة من الجيش الإسرائيلي. 

وتؤكد صحيفتا "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" في تحقيقات حديثة أن إسرائيل تقف فعليًا وراء مبادرة توزيع الغذاء في غزة، وأن SRS ما هي إلا أداة ميدانية رئيسية ضمن هذا المشروع، فيما اتخذت إجراءات متعمدة لإخفاء هذه العلاقة أمام الرأي العام والمنظمات الدولية.

توظيف مكثف لعناصر استخبارات

في محاولة لتعزيز قدراتها، أطلقت شركة SRS مؤخرًا حملة توظيف عاجلة في الولايات المتحدة، سعت من خلالها إلى استقطاب عناصر استخبارات سابقين، خصوصًا أولئك المتخصصين في تحليل الصور والبيانات الجوية. 

وتضمنت الإعلانات شرطًا بأن يكون المتقدمون من المواطنين الأميركيين، وأن يتمتعوا بخبرة سابقة في مجالات أمنية أو استخباراتية، مع الالتزام بالانتشار لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد إلى ستة أشهر، سواء داخل غزة أو من مواقع عسكرية إسرائيلية في بئر السبع، أو عسقلان، أو كرم أبو سالم، أو أشدود.

كما كشفت بيانات داخلية أن عمليات الدخول والخروج من قطاع غزة ستكون تحت حراسة أمنية مشددة بقيادة عسكريين أميركيين سابقين، وهو ما يثير تساؤلات حول الطبيعة الحقيقية للعمل الإنساني المزعوم. 

وقال أحد موظفي الشركة في محادثة داخلية إن ثقافة العمل في SRS تشبه "ثقافة الشركات الناشئة" من حيث السرعة والمرونة، لكنه أشار إلى أن طبيعة المهام التي تقوم بها على الأرض "تتجاوز كثيرًا مجرد الدعم اللوجستي أو توزيع الغذاء".

خلفيات مثيرة وتحفظات دولية

تشير تقارير دولية متعددة إلى أن SRS تعرضت للانتقاد بسبب الأجور المرتفعة التي تقدمها، حيث كشفت عمليات التعاقد خلال فترة وقف إطلاق النار الأخيرة أنها تدفع للموظف الواحد نحو 1000 دولار أميركي يوميًا. 

وتعمل هذه الشركة بشكل وثيق مع مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، وهي منظمة سويسرية غير ربحية غير معروفة، تفتقر إلى الخبرة السابقة في العمل الإغاثي أو الميداني، رغم حصولها على دعم مباشر من كل من الولايات المتحدة وإسرائيل للقيام بمهام إنسانية داخل القطاع.

لكن هذا التعاون لم يحظى بقبول دولي، إذ رفضت الأمم المتحدة وعدة حكومات أجنبية ووكالات إغاثة التعاون مع المؤسسة، بسبب غياب الشفافية، وغياب الخبرات، والاشتباه في وجود أجندات أمنية وعسكرية مموهة تحت غطاء إنساني. 

وقد وصف المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مشاهد تدافع آلاف المدنيين في جنوب قطاع غزة للحصول على المساعدات من الموقع الجديد بأنها "مفجعة"، ما يعكس حجم المأساة التي يعيشها السكان وسط حالة من الشك والريبة حول من يدير عمليات الإغاثة وأهدافه الحقيقية.

انتقادات للآلية واختيار المواقع

تعرّضت مؤسسة غزة الإنسانية لانتقادات شديدة بسبب اختيارها لمواقع توزيع "غير آمنة"، وفق وصف منظمات إنسانية دولية، والتي اعتبرت أن اضطرار السكان للتنقل لمسافات طويلة في ظل الحرب والحصار من أجل تلقي المساعدات يعد خرقًا فاضحًا للأعراف الإنسانية الدولية. 

من جانبها، حاولت المؤسسة تبرير الفوضى بالقول إن العدد الهائل من المحتاجين في نقطة التوزيع فاق التوقعات، ما اضطر طاقمها إلى التراجع مؤقتًا للسماح بتوزيع المساعدات بشكل آمن وتجنب وقوع إصابات.

وفي هذا السياق، اعتبرت منظمات غير حكومية مثل "أكشن إيد" أن استخدام المساعدات كغطاء لعمليات أمنية أو عسكرية يشكل "انتهاكًا صارخًا للمبادئ الإنسانية"، مؤكدة أن "المساعدات التي تستخدم للتستر على العنف لا تعد مساعدات، بل غطاء استراتيجي لإحكام السيطرة ونزع الملكية من السكان الأصليين".

العربية