يوميات الأمهات الجائعات.. كيف يُسقط الجوع أحلام الغزّيات بالأمومة؟

مرايتي.jpg
مرايتي.jpg

غزة/ البوابة 24 - إنعام عاهد فروانة

في ظل الحصار الخانق والحرب التي التهمت كل شيء، تقف "سارة"، الحامل في شهرها الخامس، أمام مستشفى الحلو الدولي، متعبة، لا تكاد تملك القوة حتى للوقوف. تقول بصوت ضعيف: "كل يوم أمرّ به وأنا خائفة على طفلي... لا أجد طعامًا كافيًا لي أو له."

حكاية سارة تعكس مأساة آلاف الحوامل في غزة، حيث لا يكفي الغذاء لتغطية احتياجاتهن الأساسية، فضلًا عن الفيتامينات والأدوية التي باتت شبه معدومة.

وفقًا لإحصائيات وزارة الصحة في غزة، التي نقلتها شبكة "سي إن إن"، فقد توفي 58 شخصًا بسبب سوء التغذية، فيما توفي 242 آخرون نتيجة نقص الغذاء والدواء منذ مارس الماضي فقط، وهو رقم يعكس عمق الأزمة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية. وما يزيد الكارثة ألمًا، هو تسجيل أكثر من 300 حالة إجهاض نُسبت إلى نقص التغذية، ما يؤكد أن الجوع لا يفتك فقط بالأجساد، بل يقتل الأرواح في الأرحام أيضًا.

تؤكد الدكتورة إيناس حلاوة، رئيسة قسم الحمل والولادة بالمستشفى، أن الأزمة تفوق الوصف: "الوضع لا يُوصف... نحن نعيش كارثة صحية حقيقية."

"الوضع الصحي للحوامل في غزة حاليًا سيئ للغاية، ومؤلم بدرجة لا يمكن وصفها. الحرب التهمت كل شيء، حتى الأمل... والأمهات المسكينات يعانين بصمت."

"أنا لا أتحدث عن رفاهية مفقودة، بل عن نقص في أبسط الحاجات الأساسية: الطعام، الفيتامينات، الحديد، والأدوية."

"أغلب الحوامل اللواتي يراجعن القسم يعانين من فقر دم حاد، وضعف عام، وانخفاض في ضغط الدم، وسوء نمو للأجنة."

"بعض الحالات تصل إلى المستشفى عاجزة عن الوقوف بسبب انعدام الطاقة في أجسامهن، وغياب التغذية التي تعينهن على تحمّل الحمل."

"سأقولها بصراحة... نحن نشهد أرحامًا منهكة، وأمهات بين الحياة والموت... والسبب؟ الجوع."

"الطعام غير متوفر، وإذا توفر لا تملك النساء القدرة على شرائه."

"حتى المكملات الغذائية، التي يُفترض أن تكون متاحة وبسيطة، أصبحت من الأحلام."

"تتخيل أن سيدة حامل تكتفي بوجبة واحدة في اليوم؟ وإن وُجدت هذه الوجبة... فهي لا تسدّ الرمق."

"الحمل يحتاج إلى ما لا يقل عن 1800 إلى 2200 سعرة حرارية يوميًا، بينما المتوفر اليوم أقل من النصف."

"والنتيجة؟ ولادات مبكرة، أطفال بوزن منخفض جدًا، وأحيانًا فقدان الجنين أو الأم نفسها."

"الولادة في غزة أصبحت معركة... ليست فقط ضد الألم، بل ضد الجوع، والحرب، والانقطاع، والغياب الكامل لأي دعم."

"باختصار، الوضع حرج جدًا، وإذا لم يُتخذ تحرك سريع، سنفقد المزيد من الأرواح... أرواح بريئة لا ذنب لها سوى أنها وُلدت تحت الحصار."

تعاني سارة من الأمر ذاته، فتروي: "كنت آكل مرة واحدة لأوفر الطعام لأطفالي الآخرين، ولم أدرك أن هذا سيكلف توأمي حياتهما."

أما "نور"، البالغة من العمر 28 عامًا، فقد فقدت جنينها في الشهر الرابع. تقول بمرارة: "كنت أتناول ما أستطيع من الطعام، لكنه لم يكن كافيًا. شعرت بالدوار والضعف، ثم فقدت جنيني فجأة... لم يكن هناك دواء أو فيتامينات تساعدني."

وشهادة أخرى لـ"هدى"، أم لثلاثة أطفال، فقدت حملها الثاني بعد معاناة من سوء التغذية: "لم أكن أملك المال لأشتري حتى المكملات الغذائية، وكل ما أملكه هو القليل من الخبز. في النهاية، خسرت طفلي وأنا أشعر بالعجز."

تؤكد الدكتورة حلاوة أن هذه ليست حالات فردية، بل ظاهرة متزايدة: "سوء التغذية يؤثر على الحمل منذ لحظة التكوين الأولى."

"إذا لم يكن لدى الأم مخزون كافٍ من الحديد، وحمض الفوليك، والكالسيوم، والبروتينات، فإن جسمها لن يتمكن من دعم الحمل."

"الإجهاض في غزة بات ظاهرة مخيفة. تصلنا حالات فقدان للجنين في الشهر الرابع أو الخامس دون سبب طبي واضح."

"وبعد الفحوصات، نكتشف أن الأم لم تكن تتغذى جيدًا، وتفتقر إلى العناصر الأساسية في جسمها."

"جسم لا يستطيع حماية نفسه... كيف له أن يحمي جنينًا؟"

"في إحدى الحالات، فقدت أم حامل بتوأم جنينيها فجأة في الشهر السادس، وعندما سُئلت عن تغذيتها، أجابت: 'كنت آكل مرة واحدة في اليوم، لأوفر الطعام لأولادي.'"

"كلماتها لا تفارقني... نحن أمام حرب بيولوجية ضد الأرحام."

صرّحت د. حلاوة: "للأسف، نسجّل تقريبًا حالة إجهاض أو ولادة مبكرة كل يومين، وهذا أمر لم نكن نعهده قبل الحرب."

"منذ بداية العدوان على غزة، أصبح الضغط النفسي، والجوع، والنزوح، ونقص الدواء والغذاء، عوامل قاتلة للحمل."

"الأجنة تسقط لأن الرحم لم يعد قادرًا على تحمّل تسعة أشهر من دون تغذية أو رعاية."

"وقد شهدنا خلال الحرب ارتفاعًا تقديريًا بنسبة تتراوح بين 30% إلى 40% في عدد حالات الإجهاض مقارنة بالشهور السابقة."

"هذه ليست إحصائية رسمية، لكنها تقديرات مستندة إلى سجلات مستشفى الحلو الدولي."

"كل وجبة ناقصة... قد تعني حياة ناقصة داخل الرحم."

"الجسم في فترة الحمل يتحول إلى مصنع للحياة، ولكي يعمل بشكل صحيح، لا بد من توفير العناصر الأساسية."

"نقص أي عنصر مهم قد يؤدي إلى خلل خطير، ومضاعفات تصل إلى حد الإجهاض."

"أغلب الحوامل اللواتي يصلن إلى المستشفى يعانين من نقص حاد في الحديد، وهو سبب مباشر للنزيف أو فقدان الجنين."

"أما حمض الفوليك، فهو من أول ما نوصي به... لكنه، للأسف، غير متوفر لجميع الأمهات."

وأكدت د. حلاوة أن الرعاية للحالات الحرجة غير كافية، وما نحاول فعله أشبه بالمعجزات:

"نعمل في غزة بأقل الإمكانيات، وتحت أقصى ضغط. المستشفيات مكتظة، منهكة، وأحيانًا عاجزة عن توفير أبسط الأدوات."

أما الدعم من المنظمات، فتراه غير كافٍ: "الدعم الذي وصل للحوامل خلال الحرب لا يكفي، ولا يغطي الحد الأدنى من احتياجاتهن."

"هناك محاولات وجهود تُبذل، لكن ما يصل فعليًا قليل، ومتأخر، ولا يصل إلى كل المستحقات."

"بعض النساء لا يملكن حتى تكلفة المواصلات للوصول إلى المراكز الصحية."

وبحسب الدكتورة، وُزّعت بعض المساعدات الغذائية أو الصحية الطارئة من قبل منظمات، لكنها تبقى محدودة جدًا مقارنة بعدد الحوامل المحتاجات: "نتحدث عن آلاف النساء، وكل يوم حالات جديدة... الكرتونة الواحدة لا تكفي الأم لأكثر من ثلاثة أيام، فكيف نغطي بها حملًا كاملًا؟!"

البوابة 24