تواجه الحكومة الإسرائيلية هذه المرة أخطر أزماتها منذ تشكيلها في مطلع عام 2023، بعد أن دخلت فعليًا في "حقل ألغام" سياسي على خلفية تصاعد الجدل الصاخب بشأن تجنيد اليهود الأرثوذكس (الحريديم)، وسط تهديدات صريحة من حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراه" بالانسحاب من الائتلاف والتصويت لصالح تفكيكه، في حال عدم تمرير "قانون التجنيد" الذي يضمن إعفاء شبابهم من الخدمة العسكرية، وذلك مع اقتراب موعد طرح المشروع يوم الأربعاء المقبل.
كما يواجه بنيامين نتنياهو ضغوطًا مكثفة من قطاعات واسعة في الشارع الإسرائيلي ومن داخل حزبه "الليكود"، تدعوه إلى تجنيد الحريديم الذين يشكلون 13% من سكان إسرائيل، ووقف الإعفاء التاريخي الذي يتمتعون به، لا سيما في ظل النقص الحاد في أعداد الجنود، وهي مسألة لطالما أثارها جيش الاحتلال منذ أشهر.
جهود لإنقاذ الحكومة
وفي محاولة لحل الأزمة ومنع انهيار حكومته عبر خسارة دعم شركائه الحريديم، سارع نتنياهو إلى التحرك سياسيًا لإنقاذ الائتلاف، وذلك بينما تستمر عمليات الإبادة بحق غزة، ما يزيد من حدة الأزمة ويعمق التوترات داخل المجتمع الإسرائيلي.
تصاعد الغضب الشعبي
والجدير بالإشارة أنه منذ اندلاع الحرب وتزايد الأعباء على جيش الاحتلال، تصاعدت الأصوات المطالبة بإنهاء الإعفاءات، وارتفعت وتيرة الغضب داخل المجتمع الإسرائيلي حيال تجاهل نتنياهو لتجنيد الحريديم. فهؤلاء لا يتعلمون العلوم أو الرياضيات أو اللغات بسبب التزاماتهم الدينية، ولا يعملون، بل يتفرغون لدراسة التوراة، كما أنهم لا يخدمون في الجيش، ما يجعلهم بنظر الكثيرين "عبئًا" على بقية السكان. ورغم ذلك، استمر نتنياهو في التغاضي عن هذه القضية حفاظًا على بقائه السياسي واستمرار دعم الحريديم لائتلافه.
انقسامات داخل الليكود
ومن أشهر النواب المنتمين لحزب الليكود الذين يعارضون موقف نتنياهو، يولي إدلشتاين، وهو رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، الذي سبق أن قدم مشروع قانون ينص على التجنيد الإجباري للجميع دون استثناء، مع فرض عقوبات اقتصادية واجتماعية على من يمتنع عن الخدمة، وهو ما يثير حفيظة الحريديم الذين يعتبرونه استهدافًا مباشرًا لهم، ويصرون على أن انقطاعهم لدراسة التوراة هو الحصن الحقيقي لإسرائيل، وليس القوة العسكرية.
وفي ظل محاولاته لحل هذه الأزمة السياسية المعقدة، التقى نتنياهو مساء الأربعاء، مع إدلشتاين في مسعى لإقناعه بتخفيف موقفه من قضية تجنيد الحريديم، غير أن اللقاء لم يسفر عن نتائج، ومن المتوقع أن يجتمع الطرفان مجددًا يوم الخميس.
مناورة سياسية
ويأتي ذلك بالتزامن مع أعلن وزير القضاء ياريف ليفين عزمه تقديم مقترح يوم الأحد المقبل يقضي بإقالة المستشارة القضائية للحكومة، المعروفة بموقفها المؤيد لتجنيد الحريديم.
والجدير بالذكر أن هذه الخطوة كمناورة سياسية تهدف إلى صرف الأنظار عن جوهر الأزمة الراهنة، وكسب مزيد من الوقت لإطالة عمر الحكومة، على أمل تجاوز الدورة البرلمانية الصيفية القصيرة، التي تعقبها عطلة تمتد لثلاثة أشهر، مما يعني تأجيل احتمال الانتخابات المبكرة حتى ربيع العام المقبل.