في تقرير صادم يكشف جانبًا آخر من معاناة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، أزاحت شبكة "سي إن إن" الأمريكية الستار عن تحقيق ميداني موسّع يوثق قيام الجيش الإسرائيلي بإطلاق نار كثيف ومباشر على مئات الفلسطينيين الذين تجمّعوا في منطقة تل السلطان غرب رفح، جنوبي القطاع، بهدف الحصول على مساعدات إنسانية هم بأمسّ الحاجة إليها.
شهادات دامغة
استند التحقيق إلى أكثر من 12 شهادة ميدانية من شهود عيان ومصابين نجوا من الحادثة، بالإضافة إلى مواد مصوّرة جرى تحليلها بدقة والتحقق من مواقع تصويرها جغرافيًا.
وأظهرت هذه المواد إطلاق نار من أسلحة ثقيلة، بينها رشاشات من طراز "FN MAG"، التي تعد جزءًا من الترسانة العسكرية القياسية للجيش الإسرائيلي، ووفقًا للتحقيق، فإن مصدر النيران كان دبابات إسرائيلية متمركزة قرب موقع الحدث، والتي فتحت نيرانها صوب المدنيين دون سابق إنذار.
وأظهرت مقاطع الفيديو لحظة إطلاق النار في محيط دوار "العلم" في منطقة تل السلطان، حيث كان الفلسطينيون يبعدون قرابة 800 متر عن موقع توزيع المساعدات الذي تسيطر عليه القوات الإسرائيلية، ما يدحض الرواية الرسمية التي زعمت أن إطلاق النار تم كرد فعل على "تهديد مباشر".
قصص مروعة
الشاب أمين خليفة (30 عامًا)، كان أحد الشهود على المذبحة، والتقط مشاهد مرعبة عبر هاتفه المحمول أثناء محاولته الاحتماء مع آخرين من الرصاص العشوائي، قبل أن يعود صديقه لاحقًا إلى الموقع ذاته في مسعى للحصول على المساعدات، لكنه سقط شهيدًا، وقد أكد شهود عيان للشبكة أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار من دبابات كانت على مقربة من التجمع.
وراجع خبراء في الأسلحة طبيعة الرصاص الذي تم انتشاله من أجساد الضحايا، ليتبين أنه من عيار 7.62 ملم، ما يعزز فرضية استخدام الأسلحة الرشاشة المثبتة على الدبابات الإسرائيلية.
تحليل صوتي
وشارك البروفيسور روبرت ماهر، المتخصص في التحليل الجنائي للصوت بجامعة ولاية مونتانا، في دراسة طبيعة الطلقات المسموعة في المقاطع المصورة، وخلص إلى أن وتيرة إطلاق النار تراوحت بين 15 و16 طلقة في الثانية، أي ما يعادل نحو 900 طلقة في الدقيقة، من مسافة تقديرية تصل إلى 450 مترًا.
وعلق ماهر على الطابع غير المنتظم للأصوات، قائلاً إن "الطلقات بدت وكأنها تطلق بشكل متكرر وعشوائي في اتجاه واحد، بما يشير إلى عملية رش نار مقصودة وليس ردا على تهديد واضح".
إنكار رسمي وتناقضات فاضحة
رغم الشهادات الموثقة والفيديوهات المؤكدة، واصل الجيش الإسرائيلي إنكار مسؤوليته، زاعمًا أن ما جرى هو "طلقات تحذيرية" تجاه من وصفهم بـ"مشتبه فيهم" اقتربوا من المواقع العسكرية.
كما اتهم حركة حماس بنشر "أكاذيب" لتشويه صورة إسرائيل، متجاهلًا أدلة بصرية وميدانية تؤكد أن الضحايا كانوا من المدنيين العزل الباحثين عن الطعام.
وفي سياق متصل، نفت مؤسسة "غزة الإنسانية" – وهي جهة مثيرة للجدل تدير نقاط توزيع المساعدات بدعم من إسرائيل والولايات المتحدة – أن يكون إطلاق النار قد وقع داخل نطاق مركز التوزيع، رغم وجود القوات الإسرائيلية في المنطقة وقت الحادث.