طولكرم تحت النار والحصار... تدمير ممنهج وأزمات تتعمق

بقلم: المحامي علي ابوحبله

لا شيء يختصر المشهد في طولكرم سوى عنوان واحد: "مدينة تحت الحصار والنار". في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ مراحل الاجتياحات الإسرائيلية، تُفرض على المدينة ومخيماتها سياسة خنق ممنهجة، تتقاطع فيها أدوات الحرب العسكرية مع أدوات الحرب الاقتصادية والاجتماعية، في محاولة واضحة لتركيع المدينة وضرب مقومات صمودها. طولكرم اليوم ليست مجرد مدينة فلسطينية محاصرة، بل نموذج صارخ لما تسعى إليه آلة الاحتلال من تحويل الجغرافيا الفلسطينية إلى كانتونات معزولة، منهكة، ومجتمعات مدمرة اقتصادياً واجتماعياً. ■ الحصار ليس إجراءً أمنياً... إنه عقاب جماعي الاحتلال الإسرائيلي، عبر نصب البوابات الحديدية والحواجز على مداخل المدينة، لا يستهدف أفراداً بعينهم ولا حتى الادعاء بنظرية الحفاظ على الأمن الإسرائيلي فقط، بل يعاقب سكان المدينة كافة. الحركة بين طولكرم ومحيطها باتت محفوفه بالمخاطر؛ الطرق شبه مقطوعة، والمداخل خاضعة لتحكم الاحتلال الكامل. هذه السياسة تؤدي إلى شلل اقتصادي، تعطيل مصالح الناس، ومنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر، بل وحتى منع المرضى من الوصول إلى المستشفيات خارج المدينة. ■ مخيمات تحت القصف... تدمير البنية والإنسان مخيمي طولكرم ونور شمس يتحولان إلى ساحات حرب مفتوحة. اقتحامات، تفجيرات، تدمير للبنية التحتية، وعمليات منظمة لتخريب شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي. ليس الأمر استهدافاً أمنياً فحسب؛ بل هو استهداف ممنهج للحياة. الاحتلال يسعى إلى جعل البيئة المعيشية في المخيمات غير صالحة للسكن، في محاولة لدفع السكان إما إلى النزوح القسري أو إلى الانكفاء والانكباب على هموم البقاء فقط، بعيداً عن أي ادعاء امني ■ الكارثة الاقتصادية... حرب التجويع الحصار فاقم من انهيار الاقتصاد المحلي. المحلات شبه مغلقة في ظل انعدام القوة الشرائية الورش والمصانع شبه متوقفة. المزارعون غير قادرين على تسويق منتجاتهم. البطالة وصلت إلى نسب قياسية. كل ذلك يترافق مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع القليلة المتوفرة، وتراجع حاد في القدرة الشرائية، لتتحول الحياة اليومية في طولكرم إلى صراع مرير من أجل البقاء. ■ انهيار اجتماعي موازٍ... معركة النفس الطويل لم يعد الحديث عن أزمة اقتصادية فقط، بل عن أزمة مجتمع بأكمله يُدفع دفعاً نحو الانهيار: تزايد حالات الاكتئاب، القلق، في أوساط الشباب. تفكك تدريجي في النسيج الاجتماعي بفعل الضغوط. تراجع حاد في مستوى الخدمات الصحية والتعليمية بفعل الحصار ومنع حركة الأطباء والمعلمين. ■ الرسالة الإسرائيلية واضحة... والرد الفلسطيني قيد التشكل إسرائيل تُمارس حرب استنزاف شاملة ضد طولكرم، كما تفعل في جنين ونابلس وغزة. الهدف ليس فقط أمني ، بل فرض معادلة جديدة عنوانها: "لا مقاومة بدون ثمن باهظ لا يطاق". لكن تاريخ الفلسطينيين في المخيمات تحديداً، يقول إن هذه المعادلة دائماً ما تنقلب على من يفرضها. فالضغط يولّد الانفجار، والحصار لا يخلق سوى مزيد من التمسك بالأرض والهوية والمقاومة. ■ والسؤال اليوم أين ؟ أين المجتمع الدولي مما يجري واين هي مقومات الصمود؟ بين عجز الحكومة بفعل الحصار المالي وثقل المديونية وعدم القدرة على تدعيم الصمود والثبات وتحميل المكلف الفلسطيني ما لا يستطيع تحمله وفرض أعباء ثقيله على المواطن، وصمت المجتمع الدولي، يقف المواطن في طولكرم وحيداً في مواجهة أعتى آلة قمعية في العالم. ما يجري ليس فقط خرقاً صارخاً لكل القوانين الدولية والإنسانية، بل هو اختبار جديد لمصداقية المنظومة الدولية بأكملها التي تكتفي بالمراقبة والتنديد بينما تُسحق مدينة بأكملها تحت إجراءات الاحتلال التعسفية ■ أن طولكرم اليوم ليست مجرد جغرافيا تحت الحصار، بل عنوان للصمود الفلسطيني في مواجهة مشروع اقتلاعي لم يتوقف منذ النكبة. ورغم الحصار، ورغم تدمير المخيمات، فإن ما يقف بين الاحتلال وتحقيق أهدافه هو إرادة الناس، التي أثبتت، مرة تلو الأخرى، أنها أقوى من الجدران والأسلاك والبوابات العسكرية وان الكرماويين تواقون للحياة والأمن والاستقرار والسلام مع ما يستتبع ذلك من تدخل دولي لرفع الحصار عن طولكرم وإجبار سلطة الاحتلال الاسرائيلي من الانسحاب من طولكرم ورفع الحواجز وفتح المعابر توخيا لتحقيق الأمن والاستقرار وبعيدا عن سياسة التعسف والانتقام والتوسع الاستيطاني وهذا كله يتطلب فتح آفاق سياسيه تكون المدخل لتحقيق الأمن والاستقرار وتحقيق السلام القائم على الاعتراف بالحقوق المشروعة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس

البوابة 24