شهدت قاعة الأمم المتحدة في نيويورك، أمس الثلاثاء، حدثًا دبلوماسيًا استثنائيًا تمثل في صدور البيان الختامي لـ"المؤتمر الدولي بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين"، والذي اتفق فيه المشاركون على اتخاذ خطوات ملموسة ومرتبطة بإطار زمني ولا رجعة فيه، لإنهاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ووضع أسس واقعية ومستقرة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وأكد "إعلان نيويورك" ضرورة إنشاء بنية أمنية إقليمية توفر الضمانات لكافة الأطراف، تمهيدًا لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة، كما دعا إلى تشكيل لجنة إدارية انتقالية فورًا بعد وقف إطلاق النار لتتولى إدارة قطاع غزة تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية.
توافق دولي واسع
جاء المؤتمر برعاية مشتركة من السعودية وفرنسا، وبمشاركة نشطة من دول ومجموعات إقليمية ودولية كبرى، من بينها: البرازيل، كندا، مصر، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، الأردن، المكسيك، النرويج، قطر، السنغال، تركيا، بريطانيا، الاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية.
وشدد المؤتمرون على ضرورة إعادة الزخم لخيار الدولتين عبر إنهاء الحرب في غزة، وبدء عملية سياسية جادة تضع حدًا لكل أشكال العنف، وتحقق التطلعات المشروعة للفلسطينيين والإسرائيليين في آنٍ واحد.
رسالة تحذير دولية
جاء في الإعلان أن التطورات الميدانية الأخيرة كشفت بشكل مؤلم عن "الكلفة البشرية المروعة والتداعيات الخطيرة على السلم والأمن الإقليمي والدولي" جراء استمرار النزاع، مؤكدين أن غياب الضمانات الدولية القوية لتحقيق حل الدولتين سيزيد من عمق الأزمة ويُبعد إمكانية تحقيق السلام الحقيقي.
وفي خطوة لافتة، أعلن مكتب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن بريطانيا ستعترف رسميًا بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، إذا لم تبادر إسرائيل إلى اتخاذ خطوات ملموسة لوقف الكارثة الإنسانية المتفاقمة في غزة.
إدانة شاملة للعنف
أدان الإعلان الختامي كافة الهجمات التي تستهدف المدنيين، من أي طرف، بما في ذلك أعمال الإرهاب، والهجمات العشوائية، والتحريض، والاعتداء على المنشآت المدنية، كما شدد على أن أخذ الرهائن محظور بموجب القانون الدولي.
ورفض المشاركون أي تغييرات ديموغرافية أو جغرافية قسرية، بما في ذلك التهجير القسري للفلسطينيين، مؤكدين أنها تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي.
وأدان المؤتمر بوضوح هجمات حركة حماس في 7 أكتوبر، وكذلك الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في غزة والحصار والتجويع الجماعي، مؤكدًا أنه لا مبرر لأي انتهاك جسيم للقانون الدولي، ومطالبًا بمحاسبة مرتكبيها أيا كانت الجهة.
حل الدولتين
أعادت الوثيقة التأكيد على أن تنفيذ حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي، وضمان الأمن والازدهار للجميع، وأكدت الالتزام باتخاذ خطوات عملية وسريعة تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة، تعيش في أمن وسلام إلى جانب إسرائيل، مما يفتح المجال أمام التكامل الإقليمي والاعتراف المتبادل.
وأشار المؤتمر إلى ضرورة الوصول إلى اتفاق شامل وعادل بين الجانبين، يستند إلى قرارات الأمم المتحدة ومرجعيات مدريد، ومبدأ الأرض مقابل السلام، والمبادرة العربية، من أجل إنهاء الاحتلال، وتسوية كافة القضايا النهائية، ووضع حد للنزاع والصراعات التاريخية.
دعم دولي للسلطة الفلسطينية
أكد البيان الختامي ضرورة أن تكون السلطة الفلسطينية الجهة الوحيدة المسؤولة عن الحكم وإنفاذ القانون في الأراضي الفلسطينية، مشيدًا بمبادرة السلطة القائمة على سياسة "دولة واحدة، حكومة واحدة، قانون واحد، وسلاح واحد".
كما أشار إلى أهمية نزع السلاح وإعادة الإدماج في غزة ضمن آلية دولية، منسجمة مع هدف إقامة الدولة الفلسطينية، مؤكدًا أن على حركة حماس إنهاء سيطرتها على غزة وتسليم السلاح إلى السلطة الفلسطينية ضمن ترتيب دولي محدد.
موقف الرئيس عباس
رحب البيان بتصريحات الرئيس محمود عباس، الذي أكد أن الدولة الفلسطينية المستقبلية ستكون الجهة الوحيدة المسؤولة عن الأمن، ولن تكون دولة مسلحة، بل مستعدة لترتيبات أمنية تضمن استقرار جميع الأطراف، شرط أن تحظى بالحماية الدولية.
كما أشاد المؤتمر بالتزام عباس بتنظيم انتخابات عامة ورئاسية شاملة خلال عام، بما في ذلك في القدس الشرقية، وتحت إشراف دولي، داعيًا جميع القوى الفلسطينية للالتزام بمرجعية منظمة التحرير وقرارات الشرعية الدولية.
وقد تعهد الاتحاد الأوروبي بدعم العملية الانتخابية المرتقبة، وتوفير الدعم الفني واللوجستي لضمان الشفافية والنزاهة.
دعوة لإسرائيل
في واحدة من أبرز فقرات البيان، دعا المؤتمر القيادة الإسرائيلية إلى إعلان التزامها العلني بحل الدولتين، ووقف كافة الأنشطة الاستيطانية ومصادرة الأراضي ومشاريع الضم، خصوصًا في القدس الشرقية، إضافة إلى معاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال العنف، تنفيذًا لقرار مجلس الأمن 904.
وفي المقابل، صرح وزير الجيش الإسرائيلي إسرائيل كاتس، أن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الأمنية على قطاع غزة بعد الحرب كما تفعل في الضفة الغربية، في إشارة تعكس تحديًا واضحًا لمسار الحل السياسي المطروح.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية
أكد المشاركون أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية عنصر أساسي لا يمكن تجاوزه لتنفيذ حل الدولتين، مطالبين الدول التي لم تعترف بعد باتخاذ هذه الخطوة، كل حسب قراره السيادي.
كما شدد البيان على أن العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة تعد جزءًا لا يتجزأ من الحل الشامل، بما يتيح للفلسطينيين ممارسة حقهم في تقرير المصير وتحقيق التكامل الإقليمي الكامل.