عظام من غزة

"عظام من غزة"
عيسى قراقع

رجلٌ من غزة،
هيكلٌ ناشف، عظامٌ تصطكُّ ببعضها كأنها تسأل:
"هل أنا حيّ؟ أم أنّ الموتَ نسي أن يأخذني؟"

عينان مفتوحتان…
لا على الحياة، بل على دهشةٍ مرّة،
دهشة الجائع حين لا يجد حتى موتًا يشبعه.

ليس واضحًا:
هل هذه النظرة من الجوع؟
أم من قهرٍ صامتٍ كقبورنا؟
أم من خوفٍ مُعلّق بين السماء والسقف؟
أم من خيبةٍ أعمق من الحصار؟
خيبة من العالم، من العدالة، من الله ربما،
من كل ما تُسمّونه “إنسانية”.

الرجل لا يبكي...
لأن الدمع ترف، والماء شحيح،
ولأن البكاء في غزة ترف لا يقدر عليه سوى الأحياء.
أيها العالم:
هل تسمع؟ هل تحس؟
هذا الذي يتهاوى أمامنا لم يكن متسولا،
كان ابا،وكان معلما، وكان انسانا،
لكنكم اشعلتم ابادة،
اغلقتم المعابر،
تركتموه يصير هيكلاً عار الا من الكرامة،


 

أيّها العالم،
هل تُدرك معنى أن تصير العظام لافتة احتجاج؟
أن تكون نظرة الجائع أكثر فصاحة من كل برلماناتكم؟
أن تصير الخيبة وجهًا لا يُغلق عينيه،
حتى بعد الموت؟

رجلٌ من غزة…
لم يمُت من قذيفة،
ولا من قلة الطعام،
بل من فائض الكذب،
من صمتٍ عالميٍ أشدّ وقعًا من كل الانفجارات،
هيكل من غزة، لا يسقط اليوم من الجوع فحسب،
بل من الخيانة.
لو عدت حيا،
لما طالبت بطعام،
بل بسؤال واحد:
لماذا كل هذا الموت يحتاج إذنا كي يدان؟
ولماذا نحن فقط نحتاج أن نموت كثيرا؟
كي يقال عنا بشر،

جسدي العظمي هو غزة الان،
مت جوعا،لكن ليس لأن الطعام لم يكن موجودا،
بل لانكم اغلقتم الطرقات،
وجعلتم من الحصار سمسرة،
واستثمرتم الموت في اقتصاد الابادة،
الجوع في غزة صار صناعة ثقيلة،
ارباح،
الموت يباع بالجملة،
انا ميت الان،
لكن صمتي لن يكون صفقة.

البوابة 24