قافلة بحرية نحو غزة: محاولة إنسانية أم ورقة ضغط؟

قافلة بحرية نحو غزة: محاولة إنسانية أم ورقة ضغط؟

بقلم الصحفي : حلمي الغول  

تحرك استثنائي لعائلات الأسرى الإسرائيليين

في خطوة لافتة تعكس حالة القلق واليأس، تستعد عائلات الجنود والمدنيين الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لإطلاق قافلة بحرية يوم الخميس المقبل، بهدف الوصول إلى أقرب نقطة ممكنة من شواطئ القطاع. وتأتي هذه الخطوة في ظل تعثّر مفاوضات تبادل الأسرى، ومحاولة العائلات إيصال صوتها إلى الرأي العام المحلي والدولي.

وأكد منظمو القافلة أن هدفهم يتمثل في "الوصول إلى أبنائهم بأقرب شكل ممكن"، في رسالة إنسانية تحاول كسر جمود المفاوضات، وتسليط الضوء على معاناة الأسر.

دلالات القافلة: رسالة إنسانية أم ضغط سياسي؟

رغم الطابع الإنساني الظاهر للمبادرة، فإن القافلة تحمل أبعادًا سياسية واضحة. فهي تعكس شعورًا متزايدًا لدى العائلات بالعجز الحكومي، وفقدان الأمل بإمكانية استعادة أبنائهم عبر القنوات الرسمية، بعد شهور طويلة من الحرب دون تحقيق اختراق حقيقي في هذا الملف.

التحرك عبر البحر، بدلًا من الاعتصامات البرية أو التحركات السياسية التقليدية، يُعد رسالة رمزية بليغة، تعبّر عن رغبة العائلات في كسر الحواجز الجغرافية والنفسية بين "إسرائيل" وغزة

هل تكسب القافلة تعاطفًا دوليًا؟

تسعى العائلات الإسرائيلية من خلال هذه الخطوة إلى جذب اهتمام المجتمع الدولي لقضية أبنائهم، وتحفيز الضغط على الحكومة، وربما أيضًا على الوسيط المصري والجهات الفاعلة الأخرى في المفاوضات. وقد تنجح في ذلك إن تم عرض القافلة كرسالة إنسانية خالصة.
لكن هذا التعاطف ليس مضمونًا، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث تقف آلاف العائلات الفلسطينية على الطرف الآخر من المأساة، تعاني فقدان الأحبة، والجوع، والدمار، وأسرى خلف القضبان. أي تحرك غير متوازن إنسانيًا قد يُفقد القافلة صدقيتها في أعين كثيرين حول العالم.
 حكومة نتنياهو: بين الحرج والتجاهل،حتى اللحظة لم تُصدر حكومة بنيامين نتنياهو موقفًا رسميًا من القافلة، ما يعكس ارتباكًا سياسيًا في التعامل معها. فالتجاوب مع المبادرة قد يُفسَّر كاعتراف بفشل القيادة في إدارة ملف الأسرى، أما تجاهلها تمامًا فقد يفتح الباب أمام غضب شعبي أكبر.
تجد الحكومة نفسها عالقة بين نارين: إرضاء العائلات الغاضبة، والحفاظ على خطابها "القوي" تجاه المقاومة في غزة. ويبدو أنها اختارت حتى الآن الصمت، على أمل أن تمرّ القافلة دون ضجة سياسية كبيرة.

 معاناة مغيبة خلف القضبان ،في المقابل، يرى الفلسطينيون أن هذه القافلة تعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الإنسانية، خصوصًا في ظل صمت العالم عن معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. فبينما يتحرك الرأي العام من أجل أسير إسرائيلي، يُترك الأسير الفلسطيني يواجه وحده غياهب السجون والإهمال والحرمان.
الأسرى الفلسطينيون لا يتمتعون بذات الاهتمام الإعلامي أو الحقوقي، رغم أنهم يعانون من ظروف أكثر قسوة، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي، والاعتقال الإداري، والإهمال الطبي، والحرمان من الزيارات، بل وحتى من حقهم في المحاكمة العادلة.

أسرى بلا ضوء في الزنازين ،تشير آخر الإحصاءات الموثقة (حتى منتصف 2025) إلى واقع مأساوي داخل السجون الإسرائيلية:
أكثر من 7,200 أسير وأسيرة فلسطينية محتجزين في ظروف قاسية.
نحو 750 معتقلًا إداريًا دون تهم أو محاكمات.
حوالي 200 طفلًا أسيرًا، بعضهم دون سن الـ 14 عامًا.
أكثر من 40 أسيرة فلسطينية، بينهن أمهات وناشطات.
600+ أسير مريض، من بينهم العشرات يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة.
عشرات الأسرى أمضوا أكثر من 20 عامًا خلف القضبان.
أكثر من 500 حكم مؤبد صدر بحق أسرى فلسطينيين، بعضهم لمرات متعددة.
هذه الأرقام تعكس حجم المأساة الصامتة التي يعيشها الأسرى وعائلاتهم، بعيدًا عن عدسات الكاميرا، وفي ظل تجاهل متواصل من أغلب الحكومات والمنظمات الدولية.

وفي الختام :  لا عدالة بلا مساواة في الألم ،القافلة البحرية المزمع انطلاقها قد تفتح نافذة تعاطف جديدة، لكنها تطرح أيضًا تساؤلات جوهرية حول العدالة والإنسانية. فهل يمكن أن نتحدث عن ألم حقيقي بينما نتجاهل ألم الطرف الآخر؟ وهل يُمكن لحل سياسي أن يولد من تعاطف انتقائي ومجزوء؟
إن بناء السلام الحقيقي يبدأ من الاعتراف المتبادل بالمعاناة، ومن كسر المعايير المزدوجة التي تحوّل إنسانًا إلى رمز، وآخر إلى رقم. وحتى يتحقق ذلك، ستظل القوافل الإنسانية ناقصة، والصرخات من طرف واحد، لا تصنع حرية ولا تُعيد أبناءً إلى أمهاتهم... من كلا الجانبين.

البوابة 24