اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة 2025: اختبار للمعايير الإنسانية وواجب دولي تجاه إعاقات الحرب في غزة
إعداد وتقرير: المحامي علي أبو حبلة
يشكل اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة محطة سنوية لاختبار مدى التزام الدول بمعايير العدالة والكرامة والمساواة. ويأتي إحياء عام 2025 تحت شعار "تعزيز قيادة الأشخاص ذوي الإعاقة لمستقبل شامل ومستدام"، وهو شعار يتجاوز البعد الاحتفالي ليعيد توجيه النقاش نحو سؤالين محوريين: من يقود سياسات الإعاقة؟ وكيف يمكن تحويل هذه السياسات إلى رافعة تنموية حقيقية لا إلى بنية رعاية شكلية؟ تحول في المفهوم: من المستفيد إلى الشريك في القرار يرسخ شعار هذا العام انتقالًا ضروريًا في مفهوم الإعاقة داخل السياسات العامة. فبدل حصر الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن منظومات الرعاية التقليدية، يدعو الخطاب الأممي إلى إشراكهم في التخطيط، وصنع القرار، ورسم أولويات التنمية. هذا التحول ليس تجميليًا، بل يمثل ركيزة لبناء مجتمع قادر على استثمار طاقات كل فئاته، وإعادة تعريف القوة لا من زاوية الجسد، بل من زاوية القدرة على المشاركة، والإنتاج، وصياغة المستقبل. الواقع العربي: فجوة بين النص والتطبيق تقدّر نسب الأشخاص ذوي الإعاقة في الدول العربية بما بين 5% و15% من السكان، أي ما بين 22.5 و67.5 مليون شخص. ورغم التقدم التشريعي في بعض الدول، ما تزال الفجوة واضحة بين الإطار القانوني والواقع الميداني. الإعاقات الحركية هي الأكثر انتشارًا، تليها الإعاقات البصرية، في ظل تحديات تشمل محدودية مراكز التأهيل، وضعف البنية التحتية الملائمة، وقصور فرص التعليم والعمل. هذه الفجوة تشير إلى ضرورة إعادة بناء السياسات وفق مقاربة حقوقية تنموية، تستند إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وإلى قرار جمعية الصحة العالمية (74-8) الداعي إلى دمج قضايا الإعاقة داخل الأنظمة الصحية الوطنية. غزة: الإعاقة كجرح إنساني واستراتيجي لا يمكن الحديث عن اليوم العالمي للإعاقة بعيدًا عن غزة، حيث أدت الحرب الإسرائيلية إلى واحدة من أعلى نسب الإعاقات الدائمة في المنطقة. فالإصابات التي لحقت بالمدنيين، بما في ذلك فقدان الأطراف، والإصابات البالغة، ونقص الرعاية الناتج عن الحصار، أدت إلى ارتفاع كبير في عدد الأشخاص الذين يعانون من إعاقات جديدة، كثير منهم من الأطفال والنساء. هذه الأعداد ليست رقمًا في تقرير، بل مؤشرًا على تحوّل اجتماعي واقتصادي طويل الأمد سيؤثر على مستقبل غزة لعقود. فالإعاقة الناتجة عن الحرب لا تقتصر على الجانب الطبي، بل تشمل إعادة الإعمار البشري والنفسي والتعليمي، ما يستوجب تدخلًا دوليًا جادًا يتجاوز بيانات الإدانة إلى: فتح ممرات آمنة لدخول المعدات الطبية والتأهيلية. تأسيس برامج دولية مستدامة لإعادة التأهيل الجسدي والنفسي. دعم المؤسسات الصحية المتضررة وتمويل وحدات الأطراف الصناعية والأجهزة المساعدة. حماية الأشخاص ذوي الإعاقة من التهجير ومنع استهداف المراكز الصحية. البعد السياسي للمسؤولية الدولية لا يمكن فصل قضية الإعاقة في غزة عن الإطار السياسي للصراع. فحماية المدنيين، ووقف انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وضمان حق العلاج والتنقل، ليست مطالب إنسانية فقط، بل التزامات قانونية على المجتمع الدولي والدول الأطراف في الاتفاقيات ذات الصلة. إن تجاهل تداعيات الحرب على الإعاقة يعني عمليًا تكريس دائرة ممتدة من الفقر والعجز والتهميش، وإعاقة الجهود المستقبلية للتنمية في الأراضي الفلسطينية. رسالة 2025: اختبار إنساني ومعيار دولي أكد الأمين العام للأمم المتحدة هذا العام أن الأشخاص ذوي الإعاقة يواجهون تأثيرات مضاعفة في ظل الأزمات، داعيًا إلى تمكينهم من القيادة، وتعزيز الابتكار والتكنولوجيا، ومحاربة التمييز. لكن غزة تبقى الامتحان الأكثر وضوحًا لصدقية هذا الخطاب. فمستقبل الإعاقة في العالم يقاس اليوم بمدى قدرة الدول على حماية الفئات الأكثر هشاشة تحت النار، وليس فقط داخل قاعات المؤتمرات. خاتمة: شمولية بلا تمييز… وكرامة بلا انتقاص إن بناء مستقبل شامل يبدأ من الاعتراف بأن الإعاقة ليست ضعفًا، بل قوة كامنة تُطلق عندما تتوفر الفرص. وفي غزة كما في العالم العربي والعالم، يصبح تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة جزءًا من معادلة الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة، وليس ملفًا اجتماعيًا ثانويًا. فالعالم العادل هو الذي لا يترك أحدًا خلف الركب… خصوصًا أولئك الذين دفعتهم الحروب إلى إعاقات لم يختاروها، لكنهم يصرون على الحياة رغم كل شيء.
