لا نريد أحد (نحن فقط)

بقلم: ميسون كحيل

في السياسة وما يُسمّى النضال الوطني في فترته الحالية لم نعد نتقبّل أحدًا، ذلك أن فتح لا تريد حماس، وحماس لا تريد فتح، وفي فتح محمد لا يريد محمود، ومحمود لا يريد حسن، أمّا حماس فإن رجال إيران لا يريدون رجال تركيا، وأتباع قطر لا يريدون أتباع مصر، والخلاط شغّال، حيث يقوم الاحتلال بفرم الجميع وتذويبهم، ومن سيبقى يمكن أن يعمل مع الاحتلال طوعًا أو مُجبرًا في استكمال المشروع الصهيوني، والسبب في ذلك ما هو إلا عدم قبول الآخر!

وإن كان المشهد السياسي يعكس هذا الرفض بوضوح، فإن المشهد الاجتماعي لا يقل قسوة، حيث يتحوّل الاختلاف الديني إلى سبب إضافي للإقصاء، فمع اقتراب أعياد الميلاد تتزيّن محافظة بيت لحم وعدد من المدن الفلسطينية الأخرى بشجرة الميلاد التي ترمز إلى عيد الميلاد والسنة الجديدة للأخوة المسيحيين، مع تحفّظي على كلمة الأخوة حتى لا يغضب مني أولئك الذين يرون أن الشجرة تخص الكفّار، فهي تشكّل كابوسًا لهم ويرفضون إقامتها، ويعتبرون مجرّد وجودها طعنًا في معتقداتهم الدينية ودعمًا للكفّار كما يحلو للبعض تسميتهم! ما يعني الاستمرار في رفض الآخر تمامًا كما يحدث في السياسة.

كنت أعتقد وأظن أن هذا التناقض يحدث عندنا فقط، لكني فوجئت بقرار حكومة دولة خليجية بالسماح للفنادق بإقامة شجرة الميلاد دعمًا للسياحة، حيث لم تخلُ مساحة على التواصل الاجتماعي إلا وبدأت في انتقاد هذا القرار، ونعت المسيحيين بالكفّار، ورفض إقامة هذه الشجرة لأن ذلك حسب وجهة نظرهم يدعم معتقداتهم! ولم أستوعب ما علاقة الشجرة بمعتقدات المسيحيين. أمّا الشجرة فما هي إلا تعبير عن الفرحة بميلاد السيد المسيح وقدوم السنة الجديدة، فما هو يا ترى سبب الاعتراض على ميلاد السيد المسيح!؟

الحقيقة السائدة أن جميع الأطراف في باطنهم يرفضون الآخر، ويعتقد كل طرف منهم أنه على حق، والمشكلة أنهم لا يريدون الفصل ما بين السياسة والدين، ولا بين معتقد وآخر من حيث حرية المعتقد والإيمان، ففي النهاية الله وحده الذي يحاسب، ولا يحق للبشر تكفير أنفسهم. ويا حبذا لو أن البشرية جمعاء تصل إلى رفض الأنانية والابتعاد عن الفكر الذي مفاده لا نريد أحد (نحن فقط).

كاتم الصوت: الاعتذار الذي قام به شاب تجاوز حدوده في التطاول على المسيحيين جاء بعد توبيخ من أجهزة الأمن الفلسطينية.
كلام في سرك: عدد المسيحيين في الوطن وصل إلى أقل من واحد بالمئة! احذروا من خسارة النسيج الاجتماعي والوطني.

رسالة: يعني تستخدمون كل الصناعات القادمة من دول الكفّار (على حد وصفكم) من طائرات وسيارات وجوالات، وتطلبون منهم المساعدة في تحرير أوطانكم أو الدفاع عنكم، ثم ترفضون احترام معتقداتهم أو التعامل معهم، وتلاحقون شجرة ترمز إلى فرحة الأعياد، والله إنه لأمر مضحك.

البوابة 24