في ظل تعثر المفاوضات.. دعوات داخلية في إسرائيل لمخطط بديل يعيد ترتيب أوراق غزة

مفاوضات الدوحة
مفاوضات الدوحة

في ظل التعقيدات المتزايدة التي تحيط بملف الحرب على غزة، وتصاعد الضغوط الدولية على حكومة بنيامين نتنياهو، بدأت نداءات متصاعدة من داخل إسرائيل تطالب بإعادة تقييم شاملة للمسارين السياسي والعسكري، في ضوء تعثّر مفاوضات صفقة تبادل الأسرى وتعنت القيادة الإسرائيلية في تقديم تنازلات جوهرية.

تأتي هذه الدعوات على خلفية تحذيرات متكررة من فقدان الغطاء الدولي وانحسار فعالية العمليات العسكرية، إلى جانب مؤشرات على أن استمرار الوضع الحالي قد يزج بإسرائيل في مأزق إستراتيجي طويل الأمد. 

تبني رؤية جديدة

وفي هذا السياق، دعا محلل الشؤون الأمنية في صحيفة يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي، إلى ضرورة تبني رؤية جديدة للخروج من المأزق، تقوم على مخطط شامل لصفقة تبادل تنهي الحرب وتعيد لإسرائيل المبادرة السياسية.

اقرأ أيضًا:

ووفق ما صرح به بن يشاي، فإن الضغط المتنامي من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكذلك من الدول الأوروبية، وصل إلى مستوى بات يهدد مصالح إسرائيل الحيوية على المستويات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية. 

وأضاف: "إسرائيل تواجه خطر التحول إلى دولة منبوذة دولياً، ونفقد تدريجياً شرعية الدفاع عن أنفسنا في ظل مشاهد الدمار في غزة".

وفي مقارنة تاريخية، أشار المحلل إلى أن ضغوطاً مشابهة مارستها الأمم المتحدة والدول الكبرى على إسرائيل في حروب سابقة، ولم تتردد الحكومات آنذاك في الانصياع لتلك الضغوط لإنهاء الحروب في توقيت مناسب، بدلاً من الانجراف نحو سيناريوهات أكثر تكلفة تمتد زمنياً وتفتح المجال أمام عقوبات اقتصادية محتملة أو قيود على التسلح.

طريق مسدود

وحول تعثر المفاوضات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة، أوضح بن يشاي أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود، بينما فقد الضغط العسكري الإسرائيلي كثيراً من تأثيره العملي على الأرض، في الوقت الذي تظهر فيه حماس جاهزية للانتقال إلى أسلوب حرب العصابات، مع تراجع حساسيتها تجاه الكلفة الإنسانية التي يتحملها السكان.

ورغم قناعته بوجود إمكانية لتحقيق مكاسب عسكرية إضافية إذا استمرت العمليات لعدة أشهر، إلا أن بن يشاي حذر من أن الوقت لم يعد في صالح إسرائيل، قائلاً: "الساعة العسكرية تعمل ضدنا، والمخاطر تتزايد بشكل مباشر على حياة الأسرى، إضافة إلى احتمال ارتفاع عدد الجنود القتلى في أي عمليات مستقبلية".

وأشار أيضاً إلى حجم الدمار غير المسبوق الذي خلفته الحرب، مؤكداً أنه "سيخلد في الوعي الفلسطيني لأجيال، كما حدث بعد الانتفاضة الثانية التي امتد تأثيرها النفسي لعشرين عاماً، بل ما يجري اليوم في غزة أسوأ وأكثر فداحة".

تسوية مقبولة

وفي إطار رؤيته للحل، شدد المحلل على أن الاستجابة الكاملة لمطالب حماس أمر غير وارد، لكنه دعا إلى البحث عن إطار تسوية تقبله كل من الحكومة الإسرائيلية وحماس على حد سواء. 

وأضاف أن دور الوسطاء الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، يجب أن يتحول إلى ضغط حقيقي على الطرفين لدفعهما نحو تقديم تنازلات متبادلة.

وأكد بن يشاي أن مفتاح الحل يكمن في التوصل إلى اتفاق شامل حول المرحلة التي تلي الحرب، يشمل إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة، أحياءً وأمواتًا، مشيراً إلى أن الوضع الحالي بات يتطلب صفقة مرنة لا تعني استسلاماً، بل مقايضة سياسية ذات أبعاد استراتيجية.

وفي هذا السياق، اقترح استبدال المطالب الإسرائيلية القصوى، مثل النزع الكامل لسلاح غزة، بمطالب قابلة للتطبيق واقعيًا، مثل وقف الحرب مقابل إطلاق الأسرى وتقديم ضمانات دولية ملزمة لحماس. 

كما دعا إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من عمق القطاع، والتمركز في "حزام أمني" داخل غزة إلى حين الوصول إلى تسوية نهائية للوضع.

تشكيل قوة دولية

من بين أهم عناصر الخطة التي طرحها، تشكيل قوة دولية أميركية–أوروبية تتولى مهمة نزع وتدمير الأنفاق والأسلحة الثقيلة بالتعاون مع الفصائل الفلسطينية، بما يشبه اللجنة الدولية العاملة في جنوب لبنان، وأوضح أن هذه القوة ستشرف على جمع الصواريخ والقذائف والعبوات والطائرات المسيرة مع استثناء الأسلحة الخفيفة مثل البنادق، لعدم إمكانية تحييدها فعليًا.

كما أشار إلى أن المطلب الإسرائيلي السابق بإبعاد قيادة حماس لم يعد له أولوية، نظراً لتصفية معظم قادة الصفين الأول والثاني ميدانياً، إلى جانب أن حماس أعربت عن استعدادها لعدم المشاركة في أي حكومة مستقبلية لإدارة القطاع بعد الحرب.

وفي ختام تحليله، رأى بن يشاي أن العقبة الوحيدة المتبقية أمام الحكومة الإسرائيلية هي الموافقة على إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة غزة ما بعد الحرب وهو مطلب تدعمه الدول العربية، وأوضح أن التجربة في الضفة الغربية تظهر أن السلطة الفلسطينية قادرة على لعب دور أمني فاعل بالتنسيق مع إسرائيل.

واختتم بالقول: "لا أحد يستطيع الجزم بأن حماس ستوافق على هذا المخطط، لكن في ظل المعطيات الحالية يعد هذا المسار هو الأنسب لتحقيق مكاسب لإسرائيل من دون الانزلاق إلى مأزق استنزاف سياسي وعسكري طويل الأمد".

وكالة زاد الأردن الإخبارية