في خطوة مفاجئة ذات تبعات اقتصادية خطيرة، أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، اليوم الثلاثاء، تعليق آلية التعويض المصرفي (Indemnification) التي كانت توفر الحصانة القانونية للبنوك الإسرائيلية عند تنفيذ التحويلات المالية لصالح القطاع المصرفي الفلسطيني، وهو ما قد يهدد مستقبل العمليات التجارية والنقدية بين الجانبين.
ويأتي القرار الإسرائيلي وسط توتر سياسي متصاعد، على خلفية ضغوط وعقوبات فرضتها بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية على إسرائيل، إلى جانب ما وصفه سموتريتش بـ"الحملة الفلسطينية الدولية لنزع الشرعية عن إسرائيل"، في إشارة إلى تحركات السلطة الفلسطينية أمام محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.
اقرأ أيضًا:
- تصعيد غير مسبوق.. قرار مفاجئ من إسرائيل يهدد بانهيار النظام المصرفي الفلسطيني
- واشنطن تلاحق شبكات تدعم حماس والجبهة الشعبية.. هل تنجح في قطع شريان المال؟
وقال سموتريتش صراحة: "لا يعقل أن تواصل السلطة الفلسطينية التحريض السياسي ضدنا في المحافل الدولية، وفي الوقت نفسه تحظى بتسهيلات اقتصادية منا"، في تعبير عن توجه عقابي واضح يستهدف الضغط على السلطة مالياً.
ما هي آلية التعويض؟
آلية التعويض هي نظام قانوني إسرائيلي يوفر الحصانة للبنوك المراسلة عند إجراء تحويلات مالية لصالح البنوك الفلسطينية، لحمايتها من ملاحقة قانونية بتهم مثل تمويل الإرهاب أو غسل الأموال، وهذه الآلية تمكن تحويل أموال المقاصة الشهرية إلى السلطة، كما تغطي مدفوعات التجارة وفواتير الكهرباء والمياه والوقود وحتى تكاليف العلاج الطبي بين الجانبين.
وقد بلغت قيمة التحويلات التي مرّت عبر هذه القنوات في عام 2023 وحده أكثر من 53 مليار شيكل.
من يدير العلاقات المصرفية؟
حاليًا، يتولى بنكان إسرائيليان – بنك "هبوعليم" وبنك "ديسكونت" – إدارة المراسلات المالية مع البنوك الفلسطينية، ولتأمين هذه العلاقات من الدعاوى القضائية، وخاصة في الولايات المتحدة، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قبل أربع سنوات قرارًا يوفّر حصانة قانونية سنوية للبنكين، يتم تجديدها عادةً من قبل وزير المالية.
لكن وفق القرار الجديد، لن يتم تجديد العمل بالآلية تلقائيًا كما في السابق، بل جرى خفض مدتها إلى ثلاثة أشهر فقط، في تمهيد لتعليقها الكامل قريبًا.
لماذا الآن؟
القرار الإسرائيلي لا يزال في طور التعليق ولم ينفذ فعليًا، لكن الرسالة السياسية واضحة: إسرائيل تستخدم الأداة الاقتصادية للرد على تحركات السلطة الفلسطينية السياسية، وينظر إليه كمحاولة ضغط انتقامية، خاصة بعد فرض عقوبات أوروبية على سموتريتش ووزراء آخرين.
متى تنتهي الاتفاقية الحالية؟
تنتهي اتفاقية المراسلات المصرفية بين البنوك الفلسطينية والبنوك الإسرائيلية في يوليو المقبل، ما يجعل الشهرين القادمين حاسمين في تحديد مستقبل العلاقة المالية بين الطرفين.
وفي حال لم تجدد، ستكون البنوك الإسرائيلية عرضة لدعاوى قضائية، كما ستفقد السلطة الفلسطينية الوسيلة القانونية لتلقي الأموال، وتتمثل التداعيات المحتملة في:
- شلل في مدفوعات التجارة: تعليق الآلية سيعني أن الشركات الفلسطينية لن تتمكن من دفع فواتير الكهرباء، المياه، الوقود، أو تلقي وارداتها التجارية.
- أزمة مالية للسلطة: دون تحويلات أموال المقاصة، التي تشكل العمود الفقري لإيرادات السلطة، ستواجه الحكومة الفلسطينية صعوبات في دفع الرواتب وتمويل الخدمات.
- انتعاش الاقتصاد الموازي: قد يتجه السوق الفلسطيني نحو تداول نقدي خارج النظام البنكي، مما يفاقم الاقتصاد غير الرسمي ويُضعف الرقابة المالية.
- تهديد مصداقية البنوك الفلسطينية: رغم أن القرار لا يهدد وجود القطاع المصرفي الفلسطيني ذاته، إلا أنه يُقوّض وظيفة مركزية من وظائفه، وهي إدارة المدفوعات الخارجية.
- انكشاف السلع والخدمات: في حال توقف التحويلات، ستتأثر سلاسل التوريد في الأراضي الفلسطينية، ما قد يخلق نقصاً في السلع الأساسية والطاقة.
ماذا بعد؟
تواجه السلطة الفلسطينية اليوم معضلة مالية وسياسية مركبة، حيث تقف عاجزة أمام تصعيد إسرائيلي يستهدف إضعاف بنيتها الاقتصادية، دون أن يكون في متناولها أدوات فعلية لاحتواء هذا التصعيد، وفي المقابل، تراهن إسرائيل على استخدام الاقتصاد كورقة ضغط لوقف التحركات القانونية والدبلوماسية الفلسطينية في الخارج.
لكن في حال نفذ القرار فعليًا، فإن تداعياته لن تقتصر على الفلسطينيين فقط، بل قد تربك النظام المالي الإسرائيلي ذاته، عبر تهديد سلامة قنوات التحويل وتوسيع هامش الدعاوى القانونية ضده في المحاكم الدولية، بما في ذلك الأمريكية.