في خطوة وصفت بأنها تصعيد غير مسبوق في الحرب الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، أعلنت الحكومة الإسرائيلية في وقت متأخر من مساء الثلاثاء عن إلغاء إعفاء سابق كان يسمح للبنوك الإسرائيلية بالتعامل مع البنوك الفلسطينية.
وينذر هذا الإجراء الجديد بتجميد شبه كامل للنشاط المالي الفلسطيني، وقد يتسبب في شلل مؤسساتي واسع في الضفة الغربية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والقيود المالية المتصاعدة.
قرار المالية الإسرائيلية
وجاء القرار في بيان رسمي صادر عن مكتب وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي أشار إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار ما وصفه بـ"حملة نزع الشرعية التي تشنها السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل على الساحة الدولية"، مؤكداً أنه طلب بشكل مباشر إلغاء الضمانة الممنوحة للمصارف الإسرائيلية التي تتعامل مع نظيراتها الفلسطينية العاملة في أراضي السلطة.
اقرأ أيضًا:
- عقوبات بريطانية غير مسبوقة على بن غفير وسموتريتش.. وإسرائيل ترد
- تصريح ناري من سموتريتش يهز إسرائيل.. هل تطيح صناديق الانتخابات بالحرب في غزة؟
ولم يكن القرار وليد اللحظة، بل امتداداً لمواقف تصعيدية اتخذها سموتريتش سابقاً، ففي مايو 2024، لوح الوزير المتشدد بقطع كافة أشكال التعاون المالي مع السلطة الفلسطينية، كرد فعل على إعلان ثلاث دول أوروبية – هي إيرلندا وإسبانيا والنرويج – اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، ورأى سموتريتش أن هذا الاعتراف يمثل تهديداً مباشراً لشرعية إسرائيل الدولية، ما استدعى تصعيداً اقتصادياً.
وكان الإعفاء الملغى يتيح للبنوك الإسرائيلية إجراء تحويلات مالية بالشيكل لصالح السلطة الفلسطينية، تشمل الرواتب والخدمات الأساسية، دون الخضوع لمساءلات قانونية تتعلق بغسل الأموال أو تمويل "أنشطة إرهابية"، وهي تهم تستخدمها إسرائيل كثيراً لتقييد حركة الأموال في الأراضي المحتلة.
وبإلغاء هذا الإعفاء، تنقطع الصلة المباشرة بين البنوك الفلسطينية والمنظومة المالية الإسرائيلية، ما يجعل المعاملات اليومية بالشيكل – العملة الرسمية المعتمدة في الضفة – مهددة بالتوقف.
أزمة مالية خانقة
تأتي هذه الخطوة في وقت بالغ الحساسية، حيث تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة، تتفاقم يوماً بعد يوم بفعل عوامل متعددة، ومن بينها التباطؤ الواضح في تدفق المساعدات الخارجية، إلى جانب الإجراءات الإسرائيلية التي تعرقل تحويل أموال الضرائب (المقاصة)، وهي المصدر الرئيسي لإيرادات السلطة.
كما أن آلاف الفلسطينيين ممن كانوا يعملون داخل إسرائيل باتوا بلا عمل منذ اندلاع حرب غزة، مما أدى إلى انخفاض كبير في حجم التحويلات المالية، وبالتالي تقليص القدرة الشرائية داخل المجتمع الفلسطيني.
وإلغاء التعاون المالي مع البنوك الإسرائيلية من شأنه أن يعمّق هذه الأزمة، حيث ستمنع البنوك الفلسطينية من تسوية مدفوعات بالشيكل أو حتى إجراء تعاملات خارجية بسهولة، في ظل عدم امتلاك السلطة لبنك مركزي ولا لعملة وطنية خاصة بها، ويجري الجزء الأكبر من المعاملات المالية اليومية في الضفة باستخدام الشيكل، نظراً لغياب بديل محلي فعال.
تداعيات دولية
جاء هذا القرار الإسرائيلي بعد ساعات قليلة من فرض عقوبات بريطانية وأوروبية على الوزيرين الإسرائيليين المتطرفين، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، على خلفية التحريض على العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وشملت العقوبات تجميد أصولهما ومنعهما من دخول تلك الدول، وهي خطوة غير مسبوقة تعكس تغيراً في الموقف الأوروبي تجاه ممارسات الاحتلال، خاصة في ظل تزايد العنف والتوتر في المناطق المحتلة.
ولم تكن هذه التحذيرات الدولية جديدة، ففي يوليو 2023، دعت دول مجموعة السبع إسرائيل إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استمرارية عمل النظام المالي الفلسطيني.
كما حذرت وزيرة الخزانة الأميركية آنذاك، جانيت يلين، من أن أي خطوة لقطع التعاون المالي بين المصارف الإسرائيلية والفلسطينية قد تؤدي إلى "أزمة إنسانية شاملة" في الضفة الغربية، وهو ما بدأت ملامحه في الظهور بعد القرار الأخير.
انهيار مالي وشيك
وبات المشهد الاقتصادي الفلسطيني على حافة الانهيار، خاصة في ظل تواتر الإجراءات الإسرائيلية العقابية، وعدم وجود بدائل مالية فاعلة لدى السلطة الفلسطينية، ويخشى مراقبون من أن يؤدي انقطاع العلاقات المصرفية بين الجانبين إلى أزمة سيولة، وفقدان الثقة في النظام المالي الفلسطيني، وارتفاع نسب البطالة والفقر، بل وربما إلى انهيار مؤسسات الحكم الذاتي نفسها.
في هذا السياق، تزداد أهمية التحرك الدولي العاجل للضغط على إسرائيل للتراجع عن قرارها، أو على الأقل لتقديم تسهيلات بديلة تضمن عدم حرمان ملايين الفلسطينيين من رواتبهم وخدماتهم الأساسية، في وقت تتزايد فيه التوترات الميدانية والسياسية على وقع حرب غزة الممتدة.