تواصل الأوضاع في الضفة الغربية التدهور بشكل غير مسبوق، وسط حصار خانق وقيود مشددة فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من عامين، وشملت هذه الإجراءات تقطيع أوصال المدن ونشر الحواجز والبوابات الحديدية عند مداخل الشوارع والأحياء، ما جعل التنقل بين المحافظات يستغرق ساعات طويلة، في وقت يعاني فيه الفلسطينيون من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، مع منع العمال من دخول إسرائيل ووقف تحويل أموال المقاصة التي تشكل الركيزة الأساسية لرواتب الموظفين.
حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تتردد في توجيه الاتهام إلى حكومة بنيامين نتنياهو، معتبرة أنها تدفع الضفة الغربية نحو الانفجار عبر تمكين المستوطنين من ارتكاب انتهاكات يومية بحق المدنيين الفلسطينيين.
حسابات نتنياهو
كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تخشى من تصعيد نوعي لحركة حماس في الضفة الغربية، خصوصًا مع اقتراب الأعياد اليهودية وتداعيات الحرب في غزة. كما برزت مخاوف داخل أوساط الاحتلال من أن يشهد العالم في الجمعية العامة المقبلة للأمم المتحدة خطوة تاريخية تتمثل بالاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في إطار مؤتمر تقوده فرنسا والسعودية.
ورغم الضغوط الكبيرة من وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لدفع الحكومة نحو ضم الضفة الغربية وإعلان السيادة عليها، إلا أن مصادر سياسية إسرائيلية أكدت أن نتنياهو يتريث ولا يرغب في اتخاذ قرارات حاسمة قبل وضوح الموقف الدولي، بل أشارت تلك المصادر إلى أنه حتى في حال الاعتراف بدولة فلسطين، فمن غير المتوقع أن يمضي نتنياهو إلى النهاية في خطوات الضم، مفضلًا الحفاظ على مساحة مناورة سياسية.
في المقابل، يبرز جدل واسع حول مستقبل السلطة الفلسطينية، حيث يرى قادة المؤسسة العسكرية ضرورة الإبقاء على التنسيق الأمني معها، بينما يصر بعض الوزراء في الحكومة على ضرورة انهيارها وتهيئة الأرضية لمرحلة جديدة في الضفة الغربية.
إحباط ألف عملية
من جهته، أعلن جهاز الشاباك الإسرائيلي أنه منذ بداية العام تم إحباط أكثر من ألف عملية وُصفت بالكبيرة، بينها نحو 550 عملية إطلاق نار و450 محاولة تفجير بعبوات ناسفة، كما أشار إلى اغتيال ما يقارب 137 مقاومًا، ومصادرة أكثر من 2000 قطعة سلاح، إضافة إلى اعتقال 500 شخص ممن وصفوا بالمطلوبين.
في الوقت ذاته، يواصل الجيش الإسرائيلي انتشاره في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس منذ أشهر، حيث دمر مئات المباني وفتح أكثر من 11 كيلومترًا من الطرق داخل تلك المخيمات، في إطار ما يسميه "حرية العمل العسكري"، ووفق تصريحات وزير الحرب يوآف كاتس، فإن الجيش سيبقى هناك حتى نهاية العام، فيما لا تزال النقاشات دائرة حول ما إذا كان سيسمح لسكان المخيمات بالعودة وكيفية إنهاء هذا التواجد العسكري.
استيطان يتوسع وتغيرات جذرية في الضفة
الأحداث الجارية لا تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل تشهد الضفة الغربية تحولات جذرية في المشهد الاستيطاني، فقد تسارعت خلال العامين الماضيين وتيرة البناء الاستيطاني خارج الخط الأخضر، مع الإعلان عن المزيد من "أراضي الدولة" وإنشاء مستوطنات رعوية جديدة.
وتصل هذه التطورات إلى ذروتها اليوم مع تصريحات متكررة من وزراء الحكومة حول فرض السيادة على الضفة، كرد مباشر على أي خطوة سياسية قد تتخذها باريس في الأمم المتحدة.
بهذا المشهد المعقد، تبدو الضفة الغربية على مفترق طرق خطير، حيث تشتبك الحسابات الأمنية والعسكرية مع التطورات السياسية والدبلوماسية، بينما يبقى المواطن الفلسطيني هو الخاسر الأكبر في ظل حصار مشدد وتوسع استيطاني لا يعرف التوقف.