أكد الجيش الإسرائيلي أن أول خطوة أساسية قبل السيطرة على مدينة غزة تكمن في نقل سكانها إلى جنوب القطاع، ومع ذلك، لاحظ محللون إسرائيليون، اليوم الجمعة، أن حركة التهجير تسير ببطء، وأن القوات بدأت تتقدم داخل أحياء مدينة غزة من دون خطة واضحة للانسحاب لاحقًا، بينما يضغط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لإنهاء السيطرة على المدينة بسرعة فائقة.
غياب خطة انسحاب ومدى تأثيره
وفي هذا الإطار، قال ناحوم برنياع، المحلل السياسي في "يديعوت أحرونوت"، إن الجيش خلال سنتي الحرب دخل إلى أحياء غزة كلها وخرج سابقًا بعد عمليات احتلال محدودة، واصفًا السرد الرسمي للاحتلال باعتباره مضللًا، والفرق الجوهري هذه المرة، بحسبه، أن الجيش يتقدم الآن من دون إعداد لخطة إدارة ما بعد الاحتلال، وهو فرق دراماتيكي يؤثر على طبيعة العملية.
وأشار "برنياع"، إلى أن التطورات الأمنية المتعلقة بالمخطوفين كانت محط تقديرات قبل العملية، لكن منذ بدء ما سمي بـ"مركبات جدعون 2" باتت تلك التقديرات غير قابلة للاعتماد.
كما أظهرت إفادات رهائن أفرج عنهم أن حماس تحرك المخطوفين بوتيرة متقاربة وفي أماكن متغيرة — فوق الأرض وتحت الأرض — ما يجعل حماية حياتهم غير مضمونة، وقد يتعرضون للضرر جراء قصف الجيش أو تحركات حماس أو كلا الأمرين معًا.
واتهم "برنياع"، نتنياهو بالمجازفة غير المسؤولة رغم معارضة أجهزة الأمن وقيادات عسكرية رفيعة.
غياب التحضير لحكم عسكري
وفي السياق ذاته، استعمل "برنياع"، تشبيهًا قائلاً إن الاحتلال يشبه الولادة: يجب تجهيز غرفة الطفل قبل خروج المولود إلى الحياة، وبالمثل يجب التحضير لإدارة حكم عسكري قبل الاحتلال، بل وجعل ذلك جزءًا من التخطيط أثناء القتال نفسه، لكنه أكد أن لا استعداد من هذا النوع قد تم تطبيقه، وأن ثلاث فرق عسكرية دخلت غزة وكأن أعينها مغطاة، دون إعداد لإدارة المدنيين أو تقديم خطط لحكم عسكري فعال.
سياسة نتنياهو والنتائج المحتملة
كما انتقد "برنياع"، خطاب نتنياهو ومحاولاته تصوير نفسه كاستراتيجي، معتبراً أن حكمته غالبًا ما تبدو عقلانية بأثر رجعي فقط، وإذا انتهت المرحلة الحالية من الاحتلال بنجاح، فسوف ينسب الفضل لنفسه ويحمل الآخرين — ومن بينهم رئيس أركان الجيش — مسؤولية التردد؛ وإذا تعثرت العملية فسيتهم قيادة الجيش بالفشل والتقاعس، وهذا السلوك مستمر منذ بداية الحرب.
ولفت "برنياع"، إلى اختلاف ثالث جوهري بين احتلالات سابقة والحالية، وهو وضع إسرائيل الدولي، فقد كان الثمن السياسي والاقتصادي محدودًا في الأشهر الأولى بعد 7 أكتوبر، أما الآن فقد ارتفع الثمن وأصبحت إسرائيل معرضة لتوصيفها كدولة مراقب عليها عالميًا، بينما يظل خيار نتنياهو يتمحور حول درعين — اتهام المعارضين بمعاداة السامية والاعتماد على دعم ترامب — وكلاهما، بحسبه، في حالة تآكل مستمر.
وأضاف "برنياع"، إن الحوار بين القيادة السياسية بقيادة نتنياهو والمستوى العسكري مشوش خلال فترات قيادة رؤساء الأركان السابقة واليومية، وأن هناك غيابًا للحميمية وسوء استقبال للنقد، كما يشعر الضباط بأن أي انتقاد سيعرضهم لهجوم على وسائل التواصل ولن تترتب عليه ترقيات مستقبلية، وهو، بحسبه، خطر يهدد أمن إسرائيل.
إشكالات الانقسام بين الوعود والواقع
ومن جانبه، أكد عاموس هرئيل، المحلل العسكري في "هآرتس"، أن مجريات الحرب الحالية في غزة لا تسير وفق الصورة التي حاول نتنياهو عرضها للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي حث على دعم توسيع القتال داخل المدينة استنادًا إلى وعود بنتائج سريعة، لكن الواقع الميداني، حسب هرئيل، يفرض وتيرة تقدم بطيئة وحذرة تقودها قيادة الأركان لتقليل الخسائر والحفاظ على حياة الجنود والمخطوفين، مما يخالف الطرح السياسي القائم على تنفيذ إنجاز سريع.
ولفت "هرئيل"، إلى أن صفقة تحرير الرهائن كانت هي السبيل الوحيد لعودة مخطوفين أحياء، وأن احتمال إنقاذ مزيد من الرهائن أو هزيمة حماس لم يتحسّن بالضرورة نتيجة العملية الحالية.
كما رأى "هرئيل"، أن نتنياهو سعى لإنجاز يعرض أمام أنصاره قبل مناسبات محددة، لكنه لا يملك خطة واضحة لكيفية حماية المخطوفين بعد التقدم إلى قلب المدينة.
وأشار "هرئيل"، إلى أن انطباع القوات هو غياب جهة مسموعة للحوار، وأن رئيس الحكومة يتصرف بعجرفة ويغلق باب النقاش والتحذير، مع تجاهل التحفظات المهنية، مؤكدًا أن نتنياهو لا يمتلك خطة عملية تضمن حماية المخطوفين أو توضيح طريقة الإدارة اللاحقة للمدينة.