التسوق من تركيا.. أحدث الحلول لإنقاذ الشباب في غزة من وحل الفقر والعوز

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

أمجد عرفات

عند الحديث عن وضع الشباب في غزة بالذات، فإنه وضع يُرثى له، إذ فاتهم قطار التوظيف والبحث عن المستقبل بسبب تعنت طرفي الانقسام الفلسطيني (حماس وفتح) في الجلوس على طاولة واحدة وتحقيق المصالحة الفلسطينية من أجل إنقاذ ما تبقى من الجيل الذي نشأ في عهد الانقسام طيلة 15 عاما، حيث هاجروا منهم الآلاف بعد حالة اليأس الذي أصابهم من الانتظار الطويل على أمل تحسين أوضاعهم، فمنهم من مات غرقا في البحر خلال محاولات اللجوء لبلاد الغرب، ومنهم من انتحر بسبب الضغط النفسي.

ويُعتبر جيل التسعين أصحاب قمة المعاناة في غزة حين ذكرهم، بسبب ما ذُكر مسبقا، إضافة إلى أن عددهم فاق الـ100 ألف شخص، والبطالة بينهم وصلت إلى 70%، وهو أكبر معدل للبطالة بين صفوف الشباب في العالم.

وزاد اليأس في صفوفهم بعد تصريحات رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي محمد اشتيه، بتحسين رواتب موظفي السلطة الفلسطينية التي تحكمها حركة فتح، كوسيلة للترويج عن برنامجهم الانتخابي الحالي، في حين تجاهل جيلا كاملا نشأ في عهد الانقسام من 2007 حتى 2021، حيث لم يتم توظيف أي فرد من غزة خلال هذه الفترة، على عكس الموظفين الذين لم ينقطعوا من المصروف الشهري واستطاعوا بناء حياتهم ومستقبلهم.

ولكن غيرهم لكم ييأس، فقد اتجهت أنظارهم للتجارة بـ"البضائع التركية" التي تُعرض عبر السوشيال ميديا، مثل الملابس والعطور والحلويات كالحلقوم التركي، ومنتجات التجميل وغيرها، فهذه الأعمال قد يحتكرونها كبار التُجار ورؤوس الأموال في دول أخرى، لكن تجدها في غزة، أصبحت مُحتكرة على الشُّبان فقط من الطبقات المتدنية اقتصاديا، الذين لا حيلة لهم بتوفير لقمة عيشهم في وطنهم.

لماذا تركيا؟

لماذا أصبحت جميع المنتجات التي تغزو غزة تركية بالذات؟ لماذا لا نجد منتجات ذات صناعة مصرية مثلا الملاصقة حدودها لغزة على الأقل، أو أية منتجات اسرائيلية مثلا، بل أين ذهبت المنتجات الصينية، ولماذا اختفت عبارة "هذه البضاعة صناعة صينية" التي كانت تغزو كافة مناحي واحتياجات الحياة؟ وكيف حلت المنتجات التركية بغزة بديلا عن كل منتجات العالم من أغذية وملابس وأثاث ومواد تجميل وحلويات وغيرها؟

يُوضح التاجر مهند اليبناوي من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، بأن المنتجات التركية لها هيبة في نظر الزبون في غزة، على عكس المنتجات المصرية والصينية التي يتهرب منها الزبون والمرتبط اسمهما بالمنتج "ضئيل الجودة" لدى الزبون والتاجر معا، حتى أن التُجار سابقا حتى يتهربون من نظرة الناس الضئيلة لمنتجاتهم التي يبيعونها كانوا يُخفون عبارة "صُنع في الصين" أو "صُنع في مصر" وكانوا يغرون الزبون بدلا منها بعبارة "المنتج صناعة تركية".

وكما لا يجب إنكار بأن المنتج الاسرائيلي له رغبة لدى الزبون كحال المنتج التركي، فإن المنتج التركي يتميز عنه برخص أسعاره وبجودته المميزة، وهو مناسب للزبون والتاجر معا في ظل ضعف القدرة الشرائية للمواطن في قطاع غزة، نظرا للظروف الاقتصادية المتردية في البلاد التي جعل من شباب غزة الأفقر في العالم وفق لإحصائيات سابقة.

ويستورد مهند اليبناوي أكثر من 500 سروال جينز شهريا بقيمة 5 دولار "17 شيكل" على كل قطعة منها شاملة الشحن، ويبيعها للزبون والمحلات بنظام الجملة والمفرق بقيمة 7 دولار "25 شيكل"، بينما تصل المنتجات الاسرائيلية للبلاد بنفس الجودة ولكن بمبلغ 11 دولار "35 شيكل" على كل قطعة سروال وتُباع للناس بقيمة 14 دولار "45 شيكل" كأقل تقدير.

وتُمثل الغالبية العظمى من الطلبات على المنتجات التركية من فلسطين لشباب في قطاع غزة، كما أوضح السوري محمد الحيملة الذي يُشارك بصناعة الملبوسات في أحد المصانع المتخصصة بتركيا، بأن من بين كل 25 زبون من غزة فقط يُقابله زبون واحد من محافظات الضفة الغربية التي تضم 20 مدينة ومحافظة، لاعتماد غالبيتهم على المنتجات الاسرائيلية، وهو مثال للفروقات المادية والقدرات الشرائية بين المواطن في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالحاجة الماسة للعامل المادي في غزة دفع من شبابها لهذا التفكير الجديد للهروب من عالم الفقر وانعدام فرص العمل.

إصرار رغم الصعوبات

العراقية نور القصبي التي تتاجر بالملبوسات على نطاق فلسطين ومصر والعراق وليبيا والجزائر، تُوضح بأن الشحن لفلسطين وبالأخص قطاع غزة، يأخذ منهم بعض الصعوبات، التي لم تمنع التُجار الشباب بغزة من التهافت على البضائع التركية بكثرة.

وتقول القصبي "إذ تشتهر صناعات الملابس التي يُتقنوها العرب بتركيا بطبع عليها شعارات لماركات عالمية مثل (Adidas)، (Nike)، (Puma)،(Zara)، فعند صناعة 10 آلاف قطعة سروال مثلا لتوزيعها على ثلاثة دول بعد عرضها على الإنترنت، يتفاجأ التجار في اسطنبول بأن الفلسطينيين يطلبون منهم إزالة الشعار، وذلك لأن البضاعة سوف تصل لميناء أسدود في الأراضي المحتلة قبل توزيعها على المحافظات الفلسطينية بما فيها قطاع غزة، لتُصادر إسرائيل أية مُنتجات مطبوع عليها الشعارات سواء كان أصلي أو تقليد، ليتم التفرغ وإعادة صناعة كمية معينة مخصصة لفلسطين بدون شعارات".

ويرجح السبب في ذلك بأن إسرائيل ترغب في احتكار بيع المُنتجات ذات الماركات العالمية المعروفة من أسواقها، وتقييد بها التُجار والزبائن في قطاع غزة والضفة الغربية.

ولهذا السبب اتجه شُبان آخرون لافتتاح شركات شحن مخصصة لغزة فقط في اسطنبول، كون أن غزة تُمثل الشريحة الأكبر من المحافظات الفلسطينية التي تستورد البضائع التركية وباستمرار، ومهمة هذه الشركات متابعة تلاءم المنتجات مع السياسة المتبعة مع غزة من رفض المنتج أو قبوله لدى اسرائيل والتأكد من خلوها من الشعارات، إذ أن قميص واحد مثلا مطبوع عليه شعار لماركة عالمية، بإمكانه أن يتسبب بإتلاف 10 آلاف قميص غير مطبوع عليه أي شعار.

ويُضيف يوسف الفهد صاحب إحدى شركات الشحن لغزة "كما يُمنع استيراد البساطير الرجالية بكافة أنواعها، وهي أحذية جلدية ذو رقبة طويلة، وكذلك يُمنع استيراد أي سروال باللون الأخضر الزيتي، وذلك لشكوك اسرائيلية بأنها تذهب لرجالات المقاومة الفلسطينية في غزة".

ويوضح الفهد بأن كُثرة طلبات الشباب من المنتجات التركية في غزة، فتحت مجالات جديدة للعمل لشُبان آخرون، وهي شحن وتوصيل المنتجات من اسطنبول حتى غزة، ويعمل بهذا المجال أكثر من 1000 شخص حاليا، أي بأن البضائع التركية استطاعت نوعا ما ستر أكثر من 1000 أسرة من خلال مجال شحن وتصدير بضائعها، وستر أكثر من 3000 أسرة أخرى من التجار حديثي النشأة على هذا الخط.

وعند الحديث مع شركة "ليان" وهي أشهر شركات الشحن من اسطنبول إلى بُلدان أوروبا والشرق الأوسط، أوضحت بأنه بما يخص فلسطين، فهي تشحن للقدس والضفة الغربية فقط، بينما تركت الشحن لغزة على عاتق شركات مخصصة يملكها غزاويون، لأنهم أفهم بسياسات بلدهم، وذلك حتى لا تقع على عاتق شركة "ليان" مسؤولية إتلاف بضائع الشباب في غزة، التي تختلف سياسات وشروط الشحن إليها عن مختلف دول العالم.

إن الأمر بدا واضحا في غزة بالهيبة التي تمتلكها المنتجات التركية في نظر أهالي القطاع، وخاصة مع مناداة التُجار "تعال البس التركي من عندنا"، بل أن هنالك محلات غيرت أسماءها لاسم مرتبط بـ"تركيا" كوسيلة لجذب الزبون، مثل معرض "تركي مان" و"تركي فاشيون" و"أنابيلا للملابس التركية" و"مارفيلا للملابس التركية"، وهم من أشهر في غزة، ويعود ذلك بالمقام الأول نظرا للاحترام الكبير التي تحظى به تركيا سياسيا واقتصاديا لدى الشعب الفلسطيني وخاصة بعد مواقفها المؤيدة لغزة.

البوابة 24