في جلسة مثقلة بالتوتر داخل مجلس الأمن الدولي، وجه توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، انتقادات شديدة لخطة توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة التي وضعتها إسرائيل وتحظى بدعم الولايات المتحدة، واصفًا إياها بأنها ليست سوى "غطاء لمزيد من العنف والنزوح"، ومشدّدًا على أن ما يعرض على المجتمع الدولي مجرد "مسرحية هزلية وتشتيت متعمد" عن الواقع الإنساني الكارثي في القطاع المحاصر منذ شهور.
حصار مطبق ومجاعة تلوح في الأفق
أكد فليتشر أن قطاع غزة لم يتلقى أي مساعدات إنسانية منذ الثاني من مارس الماضي، ما فاقم من الأزمة الإنسانية على نحو مريع، في وقت حذر فيه مرصد عالمي متخصص في مراقبة الجوع من أن نصف مليون فلسطيني – أي ما يعادل ربع سكان القطاع – باتوا مهددين بخطر المجاعة الفعلية.
اقرأ أيضًا:
- تطور لافت.. إسرائيل تفتح ممرًا لدخول المساعدات إلى غزة ومفاوضات متعثرة للإفراج عن رهائن
- صفوف الإذلال القسري: الفلسطينيون يرفضون هذه الخطة لتوزيع المساعدات ويطالبون بهذا الأمر
وتأتي هذه التحذيرات في وقت تواصل فيه إسرائيل هجومها العسكري الموسع على جنوب قطاع غزة، وهي العملية التي بدأت منذ أكتوبر 2023، ما تسبب في تدهور متسارع للأوضاع المعيشية والإنسانية. وضمن هذا السياق.
واقترحت إسرائيل الأسبوع الماضي أن تتولى شركات خاصة مهمة توزيع المساعدات في الجنوب، بدلًا من المنظمات الإنسانية الدولية ومنظمات الأمم المتحدة، التي كانت تتولى هذه المهمة سابقًا.
إغلاق المعابر كأداة ضغط سياسي
من ناحيتها، أعلنت إسرائيل أنها لن تسمح بإدخال أي بضائع أو مساعدات إلى غزة قبل الإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، وتتهم الحكومة الإسرائيلية الحركة بأنها تستولي على المساعدات، وهو ادعاء تنفيه حماس بشكل قاطع.
أما الأمم المتحدة، فقد رفضت هذا الربط بين إدخال المساعدات والأهداف السياسية، وأكدت على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش أن مثل هذا النهج يشكل خطرًا كبيرًا يتمثل في "السيطرة الصارمة على المساعدات وتقييدها إلى حد التحكم في آخر سعرة حرارية أو حبة دقيق تصل للفلسطينيين". وأكد غوتيريش أن أي آلية لتوزيع المساعدات يجب أن تحترم المبادئ الإنسانية الثلاثة: الاستقلال، والحياد، والنزاهة.
محاولات دون جدوى
وكشف فليتشر أن الأمم المتحدة أجرت أكثر من عشر جولات من المحادثات مع السلطات الإسرائيلية لمحاولة التوصل إلى آلية إنسانية مقبولة لتوزيع المساعدات، إلا أن جميع هذه الجهود باءت بالفشل. وأوضح أن المطالب الأساسية للأمم المتحدة تتمثل في ضمان القدرة الكاملة على إيصال المساعدات إلى كل من يحتاجها في جميع أنحاء القطاع، دون استثناء أو قيود جغرافية.
وحذر من أن خطة التوزيع التي تقترحها إسرائيل ستؤدي عمليًا إلى تفاقم أزمة النزوح، حيث سيضطر السكان للانتقال إلى مناطق معينة للحصول على المساعدات، مما يعرضهم للخطر ويقيدهم في مساحات ضيقة لا تلبّي حاجاتهم الأساسية.
واعتبر فليتشر أن هذا النهج "يجعل المساعدات مشروطة بمصالح سياسية وعسكرية، ويحوّل المجاعة إلى أداة مساومة".
دعم أمريكي محدود
وفي خضم هذا الجمود، أعلنت الولايات المتحدة دعمها لفكرة تسليم المساعدات عن طريق شركات خاصة، في ما بدا أنه تبني غير مباشر للمقترح الإسرائيلي، لكنها لم تُفصح عن تفاصيل دقيقة بشأن هذه الخطة.
وأشارت القائمة بأعمال المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، إلى أن واشنطن تعمل مع إسرائيل لتفعيل "مؤسسة غزة الإنسانية" المنشأة حديثًا، والتي ستتولى آلية "آمنة" لإيصال المساعدات مباشرة إلى المدنيين، دون أن تتمكن حماس من "استغلالها"، على حد قولها.
وأضافت شيا أن هذه المؤسسة الجديدة ستعمل وفق المبادئ الإنسانية، وأنها ستحرص على أمن المساعدات حتى تصل إلى مستحقيها، مشيرة إلى أن بعض المنظمات الإنسانية قد ترفض الانخراط في هذه الآلية، بينما ستتعاون منظمات أخرى "اتخذت مسارًا أكثر بناءً"، بحسب تعبيرها.
مجلس الأمن منقسم
جاءت مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن في أغلبها مناهضة للنهج الإسرائيلي المدعوم أميركيًا، فقد عبرت معظم الدول الأعضاء – البالغ عددها 15 – عن قلقها الشديد إزاء خطة التوزيع المقترحة، معتبرة أنها تنتهك المبادئ الإنسانية وتكرّس السيطرة السياسية على المسار الإغاثي.
وفي بيان مشترك، قالت بريطانيا وفرنسا وسلوفينيا واليونان والدنمارك إنها لا يمكنها دعم أي نموذج يضع الأهداف السياسية أو العسكرية فوق الاحتياجات الإنسانية، أو يقوض قدرة الأمم المتحدة والشركاء الدوليين على العمل بشكل مستقل.